-
ع
+

أصل الجسيمات الكونية وتوحيدها (1)

يحيى محمد

ان من ابرز المشاكل التي يواجهها الفيزيائيون النظريون اليوم هي رد الجسيمات الى اصول موحدة. فقد اصيبوا بالذعر عندما تم اكتشاف المزيد منها حتى بلغ عددها المئات، بعد ان ظنوا بانها لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة، وعليه جرى تقسيمها الى اصناف مختلفة. ومع ذلك واجهوا العديد من المشاكل المتعلقة بكيفية اختزال هذا العدد الضخم، واعتمدوا في تقسيمهم الاساسي لها على الكتلة وطبيعة لفّها المغزلي ( السبين spin)، فصنفوها الى مادية وحاملات الطاقة او طاقوية، وسموا الاولى الفرميونات (Fermions) نسبة الى الايطالي إنريكو فيرمي (Enrico Fermi) الذي وصف هو وديراك على انفراد احصاءاً لتوزيع الجسيمات على مستويات الطاقة المختلفة؛ ضمن الانظمة التي تخضع لمبدأ باولي في عدم الاستبعاد. وتسمى الظاهرة احصائيات فيرمي – ديراك (Fermi–Dirac statistics). اما الثانية (الطاقوية) فهي البوزونات (bosons) كما سماها ديراك – فيما بعد - نسبة الى الهندي ساتيندرا ناث بوز (Satyendra Nath Bose) الذي تنبأ مع اينشتاين منتصف عشرينات القرن الماضي بتكاثف بعض انواع ذرات الغاز ضمن حالة كمومية واحدة عند انخفاض درجة الحرارة الى ما يقرب الصفر المطلق. ولم يحظَ هذا التنبؤ بالنجاح المؤزر بالتجربة الا في منتصف تسعينات القرن الماضي (1995)، اي بعد فوات سبعين سنة كاملة. وتعرف الظاهرة بتكاثف بوز – اينشتاين (Bose-Einstein Condensate).

وتنقسم الفرميونات الى خفيفة هي اللبتونات مثل الالكترونات، وثقيلة هي الباريونات مثل البروتونات والنترونات، والتي تتألف من الكواركات.. لكن الفيزيائيين واجهوا عدداً من المشاكل في رد هذه الجسيمات بعضها الى البعض الاخر.

فمن جانب انهم واجهوا مشكلة تتعلق بتوحيد الفرميونات.. فما العلاقة التي تربط الالكترونات وهي من الليبتونات بالكواركات وهي من الباريونات؟ وهي مشكلة لم تحل لحد الان.

وواجهوا مشكلة ثانية تتعلق بتوحيد البوزونات ذاتها.. فما العلاقة التي تربط الفوتونات بالجليونات مثلاً؟

كما واجهوا مشكلة ثالثة في توحيد العلاقة التي تربط البوزونات بالفرميونات. فللبوزونات لف مغزلي يختلف عن اللف المغزلي للفرميونات. فالاخيرة يساوي سبينها نصف عدد فردي: (1\2 أو 2\3 أو 5\2...)، فيما يساوي سبين الاولى عدداً صحيحاً: (صفر او واحد او اثنين...). ولحد الان لم يتم لهم توحيد ذلك او رد بعضها الى البعض الاخر.

وواجهوا ايضاً مشكلة رابعة تتعلق بالقوى الاساسية الاربعة للطبيعة.. فكيف يمكن توحيد هذه القوى؟ ولحد الان لم يتم توحيد الا قوتين بشكل دقيق هما الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة.

يضاف الى انهم واجهوا مشكلة خامسة حول توحيد الجسيمات ككل.. فكيف يمكن رد الكثرة الكبيرة للجسيمات الى عدد بسيط؟ او ما هو التفسير المشترك لها جميعاً؟ وكيف يمكن تفسير اختلاف الكتل فيما بينها؟

لنبدأ بالمشكلة الاخيرة التي هي اهم المشاكل واولها ظهوراً كما واجهها الفيزيائيون، اذ فوجئوا عندما اكتشفوا ان اعدادها في تزايد غير منقطع.. فهناك اسئلة ميتافيزيقية حول الغاية من وجود هذه الكثرة. فلماذا يوجد هذا العدد الكبير منها فيما يبدو ان غالبية الاشياء في العالم لا تحتاج سوى عدد قليل منها، هي: الالكترونات والكواركات العليا والسفلى؟ ولماذا تمتلك كتلاً مختلفة؟ فهل حدث ذلك بالصدفة ام باختيار قصدي؟.

وتبدأ قصة اكتشاف المزيد من الجسيمات منذ ثلاثينات القرن الماضي، فالمعروف منها في ذلك الوقت ثلاثة، هي: الالكترون والبروتون والنيترون، مع قوتين هما الثقالة والكهرومغناطيسية، اضافة الى اكتشاف قوتين نوويتين بعد اكتشاف النيترونات بوقت قصير (عام 1932)، احداهما القوة النووية الضعيفة المسؤولة عن الاضمحلال الإشعاعي، والثانية القوة النووية الشديدة التي اطلقت على القوة الجامعة داخل النواة، ولم تكن هاتان القوتان معروفتين جيداً انذاك، حتى ان اينشتاين لم يكن يعرف عنهما الا القليل، رغم انه كان مهتماً بتوحيد علاقات الطبيعة وقوانينها. وفي نهاية الثلاثينات تم اكتشاف جسيمة اخرى هي الميون (muon)، وهي مثل الالكترون لكنها اثقل منه (200 مرة). ويُنقل بهذا الصدد ان الفيزيائي اسحاق رابي تعجب عندما سمع بوجود هذه الجسيمة الاضافية، حتى اشتهر عنه قوله: من امر بها؟!. وبعدها أُكتشف النيترينو في منتصف الخمسينات على يد كل من راينز وكلايد كوان بادلة تجريبية حاسمة، وذلك بعد أن تنبأ باولي بوجودها بداية الثلاثينات.

ثم جاء دور الكواركات.. ففي بداية الستينات تم التنبؤ بها، وكانت مسألة خلافية طيلة السنوات التي تلت افتراضها لصعوبة تقبل وجودها، ومن ثم أُكتشفت (عام 1968) على يد غليمان، وشوهدت البنى الكواركية لاول مرة في البروتون بداية السبعينات. وقد أُفترض ان لها شحنات كسرية هي (1\3) او (2\3) من شحنة الالكترون؛ طبقاً لجعل البروتون موجباً والنترون متعادلاً.

وقد لاحظ الفيزيائيون ان الكواركات تحمل اعداداً كبيرة، فهي على ستة انواع، في ثلاثة نكهات وبالتالي فمجموعها هو (18 نوع)، لكن النظرية الاحدث تقول ان كل ثلاثة تندرج بنكهة واحدة، وبالتالي فان هذه الستة تكون على نوعين فقط. هذا بالاضافة الى وجود (8 غليونات)، وهي جسيمات ما زالت مفترضة وتتصف بانها صمغية وعديمة الكتلة؛ وظيفتها ربط الكواركات مع بعضها البعض لتشكيل الميزونات والباريونات، وتتوسط التفاعلات القوية، وان التفاعل فيما بينها وبين الكواركات هو من القوة بحيث يصبح التمييز بينهما غير واضح.

وتعد الكواركات والليبتونات الاساس الذي تتكون منه المادة، وتقدر الاساسية منها بعدد كبير يصل الى (48 جسيم)، وهي جسيمات نقطية غير ذات بنى داخلية. وكمقارنة بين هذين النوعين، لا توجد الكواركات منفردة، بل موحدة في مجموعات خلافاً لليبتونات، وتمتاز الاخيرة بانها تشعر بالقوى الضعيفة وتخضع لها، فيما تشعر الكواركات بالقوى الشديدة وتنقاد لها، وان الليبتونات ليس فيها كسور شحنة كهربائية، بينما تمتلك الكواركات هذه الكسور، حيث تتراوح شحنتها بين الثلث والثلثي وحدة، ويطلق عليها اللون في ثلاثة انواع: احمر وازرق واخضر، وتعتبر هذه التسميات اعتباطية دون ان يكون لها علاقة بالالوان.

لقد ازداد اكتشاف المزيد من الجسيمات مع مرور الزمن، فتجاوزت المائتي جسيم، وتم تضمين توصيف كل منها فبلغت صفحاتها (304 صفحة)، وذلك بحسب النشرة التي صدرت عام 1984. واغلب هذه الجسيمات غير مستقرة، فما أن تظهر حتى تختفي في جزء ضئيل جداً من الثانية. وما زال اكتشاف الجسيمات الجديدة قائماً، بالاضافة الى افتراض الكثير منها لدى النظريات الفيزيائية التي لم يتم اكتشافها بعد.

وربما تكون هذه الكثرة المفترضة هي نتاج ميل الفيزيائيين لاقتراح الجسيمات الجديدة لادنى دليل، كالذي نص عليه ديراك في كتابه (اتجاهات الفيزياء)، وهو قوله: «الناس ميالون جداً لاقتراح جسيمة جديدة باقل دليل على ذلك، سواء كان نظرياً او تجريبياً». مع ذلك اعتاد الفيزيائيون قبول الجسيمات الجديدة المفترضة التي يستدل على وجودها من الصور الاحصائية للبيانات التي تخص تشتت الجسيمات الاخرى، الا ان فكرة ارجاع الواقع الى جسيم غير قابل للملاحظة من حيث المبدأ هو امر صعب على العديد من الفيزيائيين، ومثال على ذلك التنبؤ بوجود الكواركات، كالذي سبقت الاشارة اليه..

ومن وجهة نظر اصحاب نظرية الاوتار الفائقة انه يمكن حل مشكلة كثرة الكواركات بافتراض عنصر وحيد مكون هو الوتر كلبنة اساية للمادة ويملك التناظرات. كما وجد غليمان ان عمليات توحيد بسيطة لثلاثة كواركات تفسر بشكل معجز مئات الجسيمات المكتشفة في المختبرات، بل وتتنبأ بجسيمات اخرى.

ويلاحظ انه رغم الاختلاف بين الكواركات واللبتونات فانه توجد تماثلات رياضية اعمق تربطهما بمستويين آخرين ضمن جدول ما يعرف بعناصر النموذج القياسي او المعياري (Standard Model). وقد تم طرح هذه العوائل وفق نظرية التوحيد العظمى. والمقصود بالنموذج القياسي هو البحث المتعلق بالعوائل الثلاث لجسيمات المادة ونظرية القوى الثلاث دون الثقالة لعدم خضوعها لاعتبارات الكوانتم. اذ تشكل الكواركات واللبتونات الى جانب القوى القوية والضعيفة والكهرومغناطيسية جوهر النموذج القياسي. وفيه ان لكل جسيم ثلاث صور تحمل الشحنة نفسها، لكن كل جيل يكون اثقل وزناً من الجيل التالي له. بمعنى ان هناك اربعة جسيمات اساسية ضمن المستوى الاول، ثم يليها مستوى ثان فثالث، ويعبّر المستوى الثاني والثالث عن استنساخ للمستوى الاول سوى انهما اثقل منه على التوالي. فمثلاً للالكترون ثلاثة انواع، فالميون يشبه الالكترون جداً لكنه اثقل منه قليلاً . وكذا الحال مع التاو (tau)، وهو اثقل من الميون. وبذلك يكون مجموع الجسيمات عبارة عن (12 جسيم) في ثلاث عوائل او مستويات، دون ان يُعرف لماذا كانت ثلاث عوائل او عائلتين اضافيتين للعائلة الاصلية. الامر الذي جعل الكثير من الفيزيائيين يشكون في بساطة الطبيعة. لكن بحسب نظرية الاوتار الفائقة فان اختلاف هذه العوائل الثلاث ناتج عن اهتزازات مختلفة للوتر. كما من وجهة نظر بعض اصحاب هذه النظرية فان للجسيمات هندسة طوبولوجية، فمثلاً ان الانواع الالكترونية الثلاثة تتعلق بثقوب مختلفة؛ كالذي يحدث عند لف جريدة كتعبير عن الهندسة الطوبولوجية المقترحة.

علماً بانه تم تقسيم هذه الجسيمات الى العوائل الثلاث بشكل متسق عند اكتشاف البيونات والميونات. وكانت السبينات والكتل هي اولى الخواص المستخدمة في تقسيم الفئات. وكلها تمتلك من اللف المغزلي ما يقدر بنصف سبين. ويساوي السبين حاصل قسمة ثابت بلانك (h) على ضعف ثابت باي (2pi) أو (2π)، أي ضعف نسبة محيط الدائرة الى قطرها. ولوحظ ان هناك غرابة في اللف لدى الفرميونات، فهي ان اي جزء من اجزاء الجسيم او اي قطب منه لا يعود الى مكانه في الدوران عند درجة (360)، بل عند ضعف هذه الدرجة، اي عند دورتين، حيث يعود الى ذات المكان.

ما زال الفيزيائيون يعتقدون ان النموذج القياسي هو افضل نموذج معمول به حتى الان، وذلك لكثرة تفوقه في تفسير ظواهر كثيرة مع تكلله بالنجاح في التنبؤ بالعديد من الجسيمات، ومنها انتصاره الكبير في اكتشاف ما تنبأ به من جسيمات بوزونات (W  و Z) للقوة النووية الضعيفة، وكان اخرها اكتشاف بوزون هيجز Higgs boson (عام 2012) كحلقة مفقودة ضمن النموذج، وهو البوزون المعول عليه في تفسير خلق الكتل المادية وتفاوتها عند انكسار التناظرات بداية نشأة الكون، والذي تم وصفه بالجسيمة الالهية (God particle).

ويعود التنبؤ بهذه الجسيمة الى هيجز (عام 1964). ففي ذلك الوقت ساد غموض حول نشأة كتل هذه الجسيمات والاختلاف فيما بينها خلال المراحل الاولى من عمر الكون، فظهرت على اثر ذلك ست اطروحات متقاربة، منها اطروحة هذا الفيزيائي. وبحسبه ان جميع الجسيمات بدأت عديمة الكتلة لغياب ما سمي بمجال هيجز (Higgs field)، لذلك كانت حركاتها بسرعة الضوء، لكن حيث ان الكون بدأ يمتلئ بهذا المجال الاثيري الجديد بما لا يخطر على بال؛ لذا فقد تفاعل مع الجسيمات ليمنحها الكتل المختلفة، وهذا ما جعلها تتباطؤ في حركاتها، ولولاه لظلت هذه الحركات لا تقل عن سرعة الضوء مع استحالة ان تتوفر فرصة ممكنة لصنع الكون. في حين بقي الفوتون محافظاً على كتلته الصفرية لعدم تفاعله مع ذلك المجال في جميع انحاء الكون، وهو ما جعل سرعته بالشكل الذي نراه.

هكذا فان من دون مجال هيجز لا يمكن التنبؤ بكتل الجسيمات، حيث ان مقدار الكتلة يعتمد على طبيعة الجسيم المفرد وقوة التأثير الذي يحس به من هذا المجال الذي يعمل ضمن درجة حرارة تقدر بـ (10 17) فما دون. اما فوق ذلك فلا يظهر له مفعول، حيث انه يمثل حالة الفراغ ذات الطاقة الاقل.

لقد تم افتراض ان يكون لهذا المجال جسيم يصاحبه مثل كل المجالات، وقد كان هيجز يتوقع ان يكون له بوزون ذو كتلة ضخمة تعادل حوالي (1000 مرة) من كتلة ذرة الهايدروجين. لكن هناك من رجح ان تكون هذه الكتلة اخف من ذلك، وتصل الى (150 مرة) من كتلة هذه الذرة. في حين رأت الفيزيائية الامريكية ليزا راندل (Lisa Randall) انه من المتوقع ان يكون هذا البوزون خفيفاً وفقاً لأدلة البيانات التجريبية وغيرها..

هذا هو بوزون هيجز الذي يختلف عن بقية الجسيمات في افتقاره للف المغزلي، فلا يمين ولا شمال. وهو بذلك قد سدد الفراغ الذي عانى منه النموذج القياسي في تفسير كتل الجسيمات. مع ذلك فقد واجه هذا النموذج مشاكل كثيرة، وثبت انه يعاني من ثغرات عديدة رغم كثرة النجاحات التي حققها. فبداية ان من بين ما حيّر العلماء ضمن هذا النموذج تفاوت الكتل بعد كسر التناظر التلقائي الناشئ بفعل مجال هيجز، حيث تقاس الكتلة بقيمة توقع فراغ هيجز (Higgs vacuum)، فمن كتلة الالكترون الضئيلة الى كتلة الليبتون تاو (tau lepton) الاكبر كثيراً، ومن كتلتي الكوارك العلوي والسفلي الصغيرتين الى كتلة كوارك القمة الهائلة، بالاضافة الى ان هذا النموذج قد تنبأ بانعدام الكتلة لدى النيترينو، لكن تذبذباته كما بينت الارصاد المتعلقة به دلت على انه يمتلك شيئاً من الكتلة رغم ضآلتها.

وفي جميع الاحوال كيف يمكن تفسير علة هذه الاختلافات الكبيرة؟ وهو السؤال الذي دأب الفيزيائيون على طرحه. وقد عُرفت هذه المعضلة بمشكلة التسلسل الهرمي (The Hierarchy Problem). وهي من المشاكل التي لم يتم الجواب عنها في فيزياء الجسيمات حتى يومنا هذا. ومن آثار هذه المشكلة التفاوت الهائل بين قوى الطبيعة، ومنها التفاوت بين القوة النووية الضعيفة والجاذبية، فلماذا هذا التفاوت بحيث تكون القوة الضعيفة أقوى من الجاذبية بمقدار ( 1024مرة)؟ وغالباً ما تُذكر مشكلة التسلسل الهرمي بما لها علاقة بمجال هيجز، ويطرح السؤال الذي لم يخضع للاجابة: لماذا تكون قيمة توقع فراغ هيجز أصغر بكثير جداً من قوى الطبيعة؟ فالجاذبية رغم ضعفها الشديد مقارنة بسائر القوى الطبيعية تصبح قوية قياساً بهذا الفراغ. وقد اعتبرت هذه المشكلة بأنها واحدة من أعمق الأسئلة في فيزياء الجسيمات، فأي حل من الحلول المطروحة يصبح متوافقاً في الغالب مع رؤية مختلفة للكون. حتى قال الفيزيائي في جامعة برينستون (Princeton) رافاييل تيتو ديانولو Raffaele Tito D'Agnolo: «إن تحديد الإجابة الصحيحة لن يحل لغزاً مفاهيمياً فحسب، بل سيغير الطريقة التي نفكر بها في فيزياء الجسيمات».

ايضاً ان هذا النموذج لم يفسر حالة خرق الشحنة السوية، بانتصار المادة على مضادتها بداية نشأة الكون، ومثل ذلك ان حساباته تبتعد كثيراً عن المقدر من الثابت الكوني والمادة والطاقة المظلمتين. هذا بالاضافة الى عدم تمكنه من ضم الجاذبية ضمن عوائله، وهي نقطة ضعفه الرئيسة، خاصة وانه لا يتفق مع المبنى الرياضي للنسبية العامة لدى الحالات الاستثنائية الحاصلة في الثقوب السوداء وفي حالة الانفجار العظيم.

كذلك رغم اعتقاد الفيزيائيين بأن جسيمات هذا النموذج وقواه – بالاضافة الى الجاذبية - هي كل ما يحتاجه الفيزيائي لتفسير جميع الظواهر الطبيعية في الكون، الا انه ثبت ان ذلك غير كاف في تفسير كل ما تم رصده في الظروف الاستثنائية للعمليات ذات الطاقة العالية الجارية في معجلات الجسيمات، وهو ما ادهش الفيزيائيين. واكثر منه ثبت ان بعض الجسيمات المكتشفة حديثاً لا تستجيب لقوانين هذا النموذج. فقبل سنوات قليلة ظهرت دراسات حديثة تبدي ان هناك بوادر لجسيمات من الليبتونات لا تخضع لهذه القوانين، وذلك ضمن بعض التجارب التي اقيمت (عام 2011) لدى مصادم الهايدرونات الكبير Large Hadron Collider الخاص بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN).

لكن رغم كل هذه الثغرات والمشاكل يظل هذا النموذج هو افضل ما تم التوصل اليه حتى يومنا هذا، وهناك محاولات لتخطيه عبر البحث عن نماذج افضل منه.. وحتى ذلك الحين يبقى الامل مفتوحاً..

عموماً لو عدنا الى جسيمات هذا النموذج والقوى التي تضمنها واضفنا اليها الجاذبية، فستصبح لدينا اربع قوى للتفاعلات؛ هي الكهرومغناطيسية والنووية الشديدة والضعيفة فضلاً عن الجاذبية، مع اربعة جسيمات اساسية للمادة؛ هي الكواركات العلوية والسفلية حيث تكون موحدة ثلاثياً، والالكترونات والنيترينوات التابعة لها، وتنطلق الاخيرة في الكون دون القيام باي دور في البناء الضخم للمادة. فهذه هي الجسيمات التي يمكنها وصف عالمنا الفيزيائي. أما غيرها فليس لها ذلك الاثر في الكون، ولو انها غير موجودة لكان اثر ذلك على تغير الكون ضئيلاً جداً.

ويعتبر الفوتون وفق هذا النموذج اصغر مكونات المجال الكهرومغناطيسي، وان مجالات القوى النووية الشديدة والضعيفة لها ايضاً مكونات اصغر. فاصغر حزم القوة النووية الشديدة هي الجليونات (المفترضة)، اما اصغر حزم القوة الضعيفة فهي البوزونات القياسية (W  و Z). وتقوم الفوتونات والغليونات والبوزونات القياسية بتقديم الالية المجهرية لنقل القوى التي تتكون منها.

وبذلك يتبين ان هناك جسيمات اولية عديمة البنى، فهي اساس سائر الجسيمات لعدم التمكن من ردها الى ما هو ابسط منها حتى يومنا هذا. وهي تختلف فيما بينها من حيث الكتلة والطاقة والشحنة واللف المغزلي (spin)، سواء على صعيد الفرميونات المادية او البوزونات الطاقوية.

comments powered by Disqus