-
ع
+

اللاطبيعانية وأثير الذكاء (1)

يحيى محمد

ماذا لو تقدمت البايولوجيا مثل الفيزياء؟!

لعل أكثر العلوم الطبيعية شهدت انحيازاً فلسفياً عظيماً هو ما جرى في علم الأحياء، وبالتحديد ضمن دائرة نظرية التطور الدارويني التي سادت لدى أغلب فترات حضورها منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.

وقد أصبح من المسلم به تقريباً ان علم الأحياء ليس له معنى خارج نظرية التطور، وكما قال عالم الوراثة والأحياء التطورية دوبزانسكي Dobzhansky في أوائل القرن العشرين: لا شيء في علم البايولوجيا يمكن ان يكون له معنى إلا في ضوء التطور[1]. وعلى هذه الشاكلة جاء عنوان مقالة عالم الأحياء والطب الخلوي أجيت فاركي Ajit Varki عام 2012 كالتالي: ‹‹لا شيء في الطب له معنى إلا في ضوء التطور››[2].

على ان ما يراد من ذلك هو ان علم الأحياء لا يُفهم إلا من خلال النظرية الداروينية، باعتبارها السائدة من غير منافس. وكما أشار الكيميائي الحيوي مايكل دنتون، إلى أن مصطلح التطور يقصد منه - غالباً - مفهوم التدرجية كما طرحها داروين[3].

والحقيقة أن العلوم الطبيعية تقوم، في جوهرها، على انحياز فلسفي يُعدّ أصلاً موجهاً في عمليات التفسير والتوليد المعرفي. إذ تنطلق من فرضية مبدئية ذات طابع منهجي وصوري تُطبَّق قبلياً على مجمل الدراسات العلمية، بحيث تُقصي ـ تلقائياً ـ أي مقاربة تخالف هذا الإطار. ويتمثل هذا الأصل الانحيازي في الالتزام بالمنهج "المادي-الطبيعي" الذي يرفض الاعتراف بأي تفسير يتجاوز حدوده، مهما حظي بدعم تجريبي أو منطقي. ولهذا السبب تواجه بعض النظريات جداراً من الصمت أو الرفض المسبق، رغم أنها تستند إلى شواهد علمية معتبرة، خصوصاً في ميدان علم الأحياء الذي ما زال يحاكي نماذج فيزياء القرن التاسع عشر، في وقت تجاوزت فيه الفيزياء ذاتها ذلك الأفق القديم، وانفتحت على آفاق مفاهيمية ومنهجية أرحب.

وقد كان العالمان فريد هويل وويكراماسينج Wickramasinghe يشكوان من هذا الانحياز اتجاه أفكارهما الثورية في علم الأحياء. فذكرا في كتابهما (تطور من الفضاء) بأننا لم نتعرض للهجوم بالضراوة التي توقعناها، بل تم التعامل مع آرائنا بطريقة غريبة، وبالأحرى استُقبلت كتاباتنا بجدار من الصمت. ومن المحتمل جداً ان سبب هذا التعامل يعود إلى أن كل بايولوجي خبير قد رأى منذ البداية أن كلمة (الغرض purpose) ستظهر عاجلاً أم آجلاً، وأن إشراك الغرض في نظر علماء الأحياء هو الخطيئة العلمية النهائية، أسوأ حتى من التعبير عن الشك في صحة الداروينية[4].

وقد اعتبرا أن من بين الأسباب الجوهرية لهذا الوضع هي الاستمرارية التعليمية التي تُكرّس المفاهيم السائدة وتُرسّخها، فتتكوّن منها أنماط فكرية يصعب زحزحتها، ويُوصم أي اعتراض عليها بالهرطقة. وهي ظاهرة تنسجم مع ما شرحه توماس كون في تحليله لمفهوم النموذج الإرشادي "البارادايم paradigm" ضمن كتابه الشهير (بنية الثورات العلمية)، حيث بيّن كيف تقاوم الأطر المعرفية الراسخة أيّ تحوّل جذري يمسّ بنيتها التفسيرية.

ويحضرنا حول النزعة المادية الطاغية في العلم كأصل موجه للاطار العلمي وتفكيره ما صرح به عالم الوراثة والتطور الامريكي ريتشارد ليونتن Richard Lewontin عام 1997، إذ قال: ‹‹إن استعدادنا لقبول المزاعم العلمية التي تتعارض مع الحس المشترك هو مفتاح لفهم الصراع الحقيقي بين العلم والمفارق للطبيعة. نحن نأخذ جانب العلم رغم سخافة بعض أبنيته الفكرية، ورغم فشله في الوفاء بالعديد من وعوده المغالية بالصحة والحياة، بل ورغم تساهل المجتمع العلمي في تقبل القصص المفتقرة للأدلة.. وذلك لأننا ملتزمون سلفاً بالمادية. ليس لأن أساليب ومؤسسات العلم تجبرنا بطريقة ما على قبول تفسير مادي للعالم المدرك، بل على العكس، فإننا مضطرون بفعل التزامنا المسبق بالعوامل المادية إلى خلق أداة بحث ومجموعة من المفاهيم التي تنتج التفسيرات المادية؛ مهما كانت مخالفة للبداهة وغامضة بالنسبة للمبتدئين. علاوة على ذلك، فهذه المادية مطلقة، وعليه لا يمكننا السماح بولوج قدم مقدسة إلهية إلى الداخل. وقد كان العالم الكانتي البارز لويس وايت بيك Lewis White Beck يقول إن أي شخص يمكن أن يؤمن بالله يمكنه أن يؤمن بأي شيء. فمناشدة إله كلي القدرة يعني السماح له في أي لحظة بتمزيق الطبيعة من دون انتظام، وقد تحدث المعجزات››[5].

وكما أشار عالم الأحياء التطوري فوتويما Futuyma عام 1997 بأنه عندما يستدعي العلماء المعجزات فإنهم سيتوقفون عن ممارسة العلم، مع الاعتراف بهزيمة العقل واليأس من الفهم والراحة في الجهل[6].

وعلى شاكلة ما سبق صرح عالم المناعة سكوت تود Scott C. Todd في مجلة الطبيعة Nature عام 1999، فقال وهو بصدد نقد نظرية التصميم الذكي ID: ‹‹حتى لو كانت جميع البيانات تشير إلى مصمم ذكي، فإن مثل هذه الفرضية مستبعدة من العلم لأنها ليست طبيعية››.

وجاءت خلفية هذا الحديث على أثر ما جرى لمجلس التعليم في ولاية كانساس من حذف تعليم التطور الكبير والحفاظ على الصغير فقط[7].

كذلك أشار فيلسوف العلم روبرت بينوك في كتابه (برج بابل Tower of Babel) عام 1999 بأن الطبيعة المنهجية للعلم تحث المرء على البحث عن تفسير طبيعي، خاصة وقد ثبت نجاحه في الماضي[8].

لكن لماذا هذا الاستبعاد المتعمد لأي فكرة تتعلق بالتصميم الذكي حتى لو كانت المعطيات العلمية تشير اليها، كالذي صرح به سكوت تود؟

صحيح ان الاستبعاد المشار إليه جاء للخشية من الوقوع في محظورين هامين: أحدهما يتعلق بمنطق "إله الفجوات" وما يترتب عليه من اتخاذه مبدأً لتفسير كل شيء لأدنى مبرر ممكن بسبب الجهل في معرفة التفسير الطبيعي. والآخر هو ان التسليم بإله فوقي يعني وجود معجزات أو قفزات لا تتناسب مع طبيعة القوانين العلمية. وهذا ما تؤكده نصوص كثيرة تشير إلى هذين المحظورين، أو واحد منهما على الأقل.

لكن مع هذا نتساءل: هل بالضرورة ان الاثبات العلمي للمسألة الإلهية يستلزم الوقوع في هذين النوعين من المحظور؟

حقيقة ان هذا ما يخشاه العلماء ويحذرون منه فعلاً، خاصة على الصعيد البايولوجي. لذلك فإن التمسك بمعيار المادية والطبيعانية لا مفر منه؛ إلى الحد الذي يبلغ العنت والتعصب أحياناً بما لا يقل عن التعصب الديني. أو ان العلم قد آل إلى تكوين مؤسسة ارثوذوكسية منحازة هي ‹‹علمانية العلم›› كما يطلق عليها البعض. لهذا فهو يسعى إلى اختزال البايولوجيا في الفيزياء والكيمياء، وكما صرح فرانسيس كريك في كتابه (الجزيئات والبشر Of Molecules and Men) عام 1966 بأن ‹‹الهدف النهائي للحركة الحديثة في علم الأحياء هو في الواقع شرح كل البايولوجيا استناداً إلى مفاهيم الفيزياء والكيمياء››[9]. وقد جاء ذلك بدافع معيار الطبيعانية.

لقد بقي علم الأحياء رهين سجن التخوف من معضلة "إله الفجوات"، وهو الذي تجاوزته الفيزياء من خلال افتراضات محددة الوصف دون الذهاب بعيداً إلى عوالم ميتافيزيقية خالصة، بخلاف ما جرى في علم الأحياء التطوري، إذ كان من الممكن وضع فرضيات تتضمن ادخال عناصر جديدة غير مادية أو طبيعية تمثل أساس الحياة بما تختلف عن المادة الجامدة، دون ان تكون ميتافيزيقية خالصة.

صراع المعايير التفسيرية

من حيث التحليل ثمة أربعة حقول ومستويات لتطبيق معيار الطبيعانية في مناطق متنازع حولها لدى العلوم الطبيعية، وغرضها إبعاد الافتراضات الميتافيزيقية، وأغلبها معني بإبعاد فكرة الذكاء الميتافيزيقي تحديداً، اثنان منها يخصان علم الأحياء، وآخران يتعلقان بالفيزياء، ويمكن تحديدها كالتالي:

التفسيرات الضمنية لنشوء الكون في قبال اطروحة السببية الخارجية (الإلهية).

الأكوان المتعددة اللامتناهية كتفسير في قبال الضبط الفيزيائي الدقيق.

الانتخاب الطبيعي كتفسير للتطور البايولوجي في قبال التفسير الغائي على شاكلة ما قام به وليام بيلي صاحب دليل الساعة.

التفاعلات الكيميائية لأصل الحياة كافتراض في قبال التفسير الحيوي غير الطبيعي أو الميتافيزيقي.

والملاحظ ان الثلاثة الأخيرة من الحقول الأربعة تتعلق بتفسير النظام والضبط المعلوماتي الدقيق، وهي معنية بإشكالية النُظم المعقدة، والتي يتنافس حول تفسيرها معيارا الطبيعانية واللاطبيعانية. أما الحقل الأول فيتعلق بمسألة السببية. وسنخصص لكل واحد منها فصلاً باستثناء الحقل الأخير حيث سيحظى بعدد من الفصول. لكن قبل ذلك نود تقديم عدد من الملاحظات مع اشارات لما سنصل إليه من نتائج تتعلق بالمعيارين السابقين عبر النقاط التالية:

أولاً:

لقد استخدمنا مصطلح "اللاطبيعانية Non-Naturalism" ولم نستخدم مصطلح "الميتاطبيعانية Metanaturalism"، ولا مصطلح "الخارق للطبيعة Supernaturalism"، حيث المصطلح الأول يوحي بمفهوم دال على وجود مفارقة تامة عن الطبيعة، كما ان المصطلح الأخير دال بشكل واضح على ذلك، وهما بالنتيجة على شاكلة اصطلاح الميتافيزيقا. في حين ما نود تأكيده هو ان مفهوم اللاطبيعانية لا يحمل مفارقة ميتافيزيقية خالصة، وذلك لاقتران مصاديقه بالظواهر الطبيعية وإن كانت في حد ذاتها غير طبيعية، أي غير قابلة للاختزال الفيزيائي والكيميائي، ويمكن التمثيل عليها بالتقسيم الفلسفي القديم للشيء الموضوعي، إذ يعبر عن علاقة متحايثة بين الأعراض المحسوسة والجوهر غير المحسوس، رغم ان الأخير لا يعد مفارقاً للطبيعة.

ويشترك معيار اللاطبيعانية مع نظيره المخالف بأنهما يمتازان بسلبية التفسير لا ايجابيته. بمعنى انهما ليسا من المبادئ والقوانين التي تعمل على تفسير الظواهر الكونية والحياتية، رغم استناد هذه المبادئ والقوانين اليهما. فهما معممان إلى أقصى حد ممكن، ولهذا لا يصلحان للتفسير الايجابي المباشر. فالطبيعانية معممة على مختلف الأسباب والقوانين العاملة في الطبيعة. كذلك اللاطبيعانية هي الأخرى معممة على مختلف الأسباب التي لا تمتّ إلى الخلفية الطبيعانية بصلة، أو لا تندرج ضمن هذا المعيار العام. وأبرز الأمثلة عليها النتاجات العقلية والقيمية العامة للبشر؛ كمبدأ الذكاء وقيم الأخلاق والجمال. وجميعها لا يخضع لمعيار التفسير الطبيعاني.

لكن مع مراعاة أن معيار اللاطبيعانية لا يجوز أن يُتخذ بديلاً مطلقاً عن معيار الطبيعانية في تفسير الظواهر الكونية والحياتية، بل يقتصر دوره على الحدود التي يعجز فيها الأخير عن تقديم تفسير معقول خلافاً للأول. بمعنى أنه إذا ظهرت مبررات واضحة تكشف عن ظواهر لا تقبل الاختزال المادي وما شاكله، أو كان من المتعذر تفسيرها وفقاً لمعيار الطبيعانية، فإنه لا مناص من الاحتكام إلى المعيار الأول وترك الثاني، على شاكلة ما حدث في الفيزياء المعاصرة.

أما إذا كان بالإمكان تفسير بعض الظواهر من خلال معيار الطبيعانية، حتى وإن كان ذلك في حدود أفق التوقع والانتظار من دون أن يواجه تحديات مستعصية، فلن يُستغنى عنه دون الاستنجاد بالمعيار الآخر.

أما في المقابل، فلا يُعتبر معيار الطبيعانية بديلاً مطلقاً عن معيار اللاطبيعانية، إذ من البديهي أن ظواهر القيم البشرية، وعلى رأسها القيم الأخلاقية وما تقتضيه من الاعتراف بعنصر الإرادة، وكذلك الأعمال البشرية مثل الفنون والعمران والصناعات وغيرها مما يرتبط بمبدأ الذكاء، لا يمكن تفسيرها من خلال معيار الطبيعانية، لأنها في النهاية لا تخضع للاختزال الكيميائي-الفيزيائي وما شابهه، رغم ما يُقال عن وجود أسباب طبيعية غير مباشرة لهذه الظواهر بفعل التطور البيولوجي.

ثانياً:

إن كل حقل من الحقول الأربعة السابقة قابل للتبرير وفق معيار الطبيعانية بشكل مستقل ومنفصل عن تبرير الآخر في الغالب. إذ يظل كل حقل خاضعاً لتفسير مختلف عن تفسير غيره من الحقول دون ان يجمعها مبدأ مشترك. فالحقل الأول يُفسر عبر السببية الضمنية، والثالث عبر الانتخاب الطبيعي، والرابع عبر التفاعلات الكيميائية. أما الحقل الثاني، فيعتمد تفسيره على نظرية الأكوان المتعددة اللانهائية، رغم ان هذه النظرية يمكنها في حالات معينة تفسير سائر الحقول، لكن على أن تدفع في المقابل ثمناً باهضاً يتمثل في الاطاحة بالعلم كله، باعتبارها غير مقيدة أو مشروطة.

في المقابل، يمكن لجميع هذه الحقول أن تقبل التبرير والتفسير وفقاً لمعيار اللاطبيعانية، وذلك استناداً إلى مبدأ مشترك واحد معقول يُطبّق عليها جميعاً من دون فصل، ويتمثل في مبدأ الذكاء تبعاً لبعض الشروط. وتشير هذه الميزة إلى ان هذا المبدأ يتمتع بالبساطة الشمولية في تفسير تلك الحقول والمستويات، خلافاً للمبادئ القائمة على معيار الطبيعانية.

لذلك فإن صيرورة الكون والحياة التي أدت في النهاية إلى وجود البشر، تتناسب مع التفكير اللاطبيعاني لا الطبيعاني، إذ في التفكير الأخير ان ما حصل يمثل مصادفة سعيدة غير متوقعة، خلافاً للتفكير الأول القائم على فرضية خطة كونية أدت إلى هذه النتيجة. بل عند التدقيق والتحليل يمكن ان يتبين لنا ان هذه النتيجة ليست هي النهاية المستهدفة.

ثالثاً:

تنفرد الفيزياء - ضمن الحقول والمستويات الأربعة الآنفة الذكر - دون بقية العلوم بأنها تواجه مشكلة الانبثاق الكوني، فضلاً عن النظام الكوني الدقيق. وهي بهذا تواجه مشكلتين لا واحدة.

فرغم عمق التطورات التي حدثت للفيزياء المعاصرة، إلا انها بحسب التحليل ما زالت تواجه هاتين المعضلتين من دون حل معقول، وقد كثرت حولهما التكهنات. فالسؤال الذي يُطرح بهذا الصدد:

من أين أتى الكون بطاقته الرهيبة؟ كذلك كيف تشكّل النظام الدقيق وسط حرائق هذه الطاقة الضخمة وانفجاراتها النووية؟ وبعبارة أخرى، كيف تولّد النظام من فوضى عارمة كما تصورها النظريات الفيزيائية؟ فما زال الفيزيائيون يسلمون بأن العشوائية هي الأصل السابق على النظام لا العكس.

هاتان هما المشكلتان الأساسيتان اللتان تواجهما الميتافيزيا المعاصرة، فهما مختلفتان من حيث التحديد، وعلاج إحداهما ووضع الافتراضات التي تخصها يغاير علاج الثانية وافتراضاتها، إذ ترتبط الأولى منهما بالسببية الانطولوجية، فيما تتعلق الثانية بمنطق الاحتمالات. ولو انه تم تفسير المشكلة الأولى، لكانت هناك حاجة أخرى لتفسير الثانية.

وحتى إذا افترضنا تفسيرًا موحَّدًا يعالج المشكلتين المذكورتين، قوامه التعويل على علّة خارجية عاقلة تتسم بالذكاء والتصميم، فإن ذلك لا يكفي لتفسير ما حدث من تفاصيل فيزيائية؛ إذ يبقى السؤال قائمًا: ما الافتراضات والقوانين التي انصاعت لها آلية الانبثاق، واستقام بها بنيان النظام؟

ومبدئياً تميل الميتافيزيا المعاصرة إلى التفسير الضمني للحالتين الآنفتي الذكر. فقد تعاملت مع المشكلة الأولى وفقاً لاعتبارات السببية الضمنية للتخلص من الأصل الميتافيزيقي الخارجي وبرج السلاحف. كما تعاملت مع المشكلة الثانية استناداً إلى المنطق الاحتمالي وفقاً لبعض الاطروحات الرائجة والمفترضة حالياً. وفي الحالتين لا مجال لتجاوز مبدأ السببية العامة، ولا منطق الاحتمالات.

هكذا فمن وجهة النظر السائدة اليوم، لدينا سببية ضمنية، مثلما لدينا نظام ضمني ضروري. وأن أزمة الفيزياء المعاصرة قد تعاظمت بفعل هذه الافتراضات الضمنية، ما جعلها تتراوح في محلها لعدم وجود آلية مشتركة واضحة لعلاج المشكلتين الآنفتي الذكر، انما هناك نظريات واقتراحات تزداد مع الوقت.

لقد انقاد الفيزيائيون إلى علاج المشكلتين كلاً على حدة، فهناك نظريات تسعى لعلاج المشكلة الأولى، فيما تسعى نظريات أخرى لعلاج الثانية، وهم يفعلون ذلك وكأنه لا علاقة لاحدى المشكلتين بالأخرى، مع انهما مرتبطتان معاً. وتعتبر نظرية هارتل وهوكنجHartle–Hawking ، ومثلها نظرية قفزة الكموم الكونية لعدد من الفيزيائيين، من أهم الفروض التي سعت لعلاج الانبثاق الكوني ضمنياً. فيما تعتبر نظريات التضخم أهم الفروض التي انشغلت بقضية النظام الكوني.

وفي حالات معينة قامت بعض الاطروحات بتقديم اقتراح يمكن توظيفه لعلاج المشكلتين معاً، ومن ذلك ما يتعلق بالأكوان المتعددة الناشئة من حدوث قفزات كونية باستمرار من دون انقطاع، حيث تعبّر هذه القفزات عن الانبثاق الكوني ذاتياً من دون أسباب خارجية، كما ان حدوثها باستمرار يهيء الفرصة لخلق كون منظم وسط أكوان عشوائية متعددة بلا حصر. لذلك فإن هذه الاطروحة قابلة للتوظيف لعلاج المشكلتين معاً. لكنها فكرة اضطر إليها العديد من الفيزيائيين لتفسير الضبط الكوني الدقيق بخلاف ما حصل مع الحقول والمستويات الثلاث الأخرى.

فقبل ان يكتشف الفيزيائيون الدقة المدهشة في قوانين الفيزياء وثوابتها، كان التصور العلمي لنشأة الكون قائماً على المصادفات والعمليات العشوائية. وعندما رأوا الدقة العجيبة منبسطة على مفاصل انحاء الكون وتطوراته تراجع الكثير عن هذه الفكرة، ولم يجدوا بديلاً مناسباً غير افتراض وجود أكوان كثيرة لا تحصى.

رابعاً:

رغم تمسّك علماء الأحياء بالانتخاب الطبيعي كتفسير طبيعاني لسيرورة الحياة، إلا أنه يتضمن، في جوهره، عنصراً يتجاوز الطبيعة بالمعنى الدقيق؛ إذ ينطوي على مبدأ لا يمكن اختزاله إلى المعايير الفيزيائية والكيميائية الصرفة. وقد سبق لفرانسيس كريك أن أقرّ في كتابه (الجزيئات والبشر) بأن: ‹‹جزءاً من مبدأ الانتخاب الطبيعي يمكن شرحه عبر المفاهيم المألوفة للفيزياء والكيمياء، أو بالأحرى ملحقات بسيطة منها››[10].

وهذا يعني ـ ضمنًا ـ أنّ ثمة جزءًا آخر يندّع عن التفسير عبر هذه الأدوات المعرفية.

ومع ذلك، رأى كريك في موضع آخر من الكتاب نفسه أن وجود عدد من المشكلات العالقة في المفاهيم الحيوية، مع ما تراكم لدينا من معرفة علمية، يجعل من المستبعد جدًا وجود شيء لا يمكن رده في نهاية المطاف إلى مفاهيم الفيزياء والكيمياء[11]. ولهذا اعتبر أن الغاية القصوى لعلم الأحياء هي ردّ الظواهر البايولوجية برمّتها إلى تلك المفاهيم.

ولا غرابة، إذًا، أن ينسحب هذا التصور على الإنسان أيضًا؛ فكما صرّح في كتابه (الفرضية المذهلة The Astonishing Hypothesis) عام 1994: ‹‹إن أفراحك وأحزانك وذكرياتك وطموحاتك وإحساسك بالهوية الشخصية والإرادة الحرة، هي في الواقع ليست أكثر من سلوك مجموعة واسعة من الخلايا العصبية والجزيئات المرتبطة بها. فأنت كما صاغها لويس كارول أليس: لست سوى حزمة من الخلايا العصبية››[12].

إن هذا التصور الذي يطرحه فرانسيس كريك، والقائم على اختزال الظواهر الحيوية – بل والإنسان ذاته – إلى تفاعلات فيزيائية وكيميائية، يمثل ذروة الطموح الطبيعاني في الهيمنة على مجالات الحياة والوعي. غير أن هذا الطموح، وإن بدا منطقيًا ضمن الأفق التجريبي، يطرح إشكالاً وجوديًا ومعرفيًا مزدوجًا.

فمن جهة، لا يكاد تفسير كريك يترك متّسعًا لأي مستوى من الوجود يتجاوز المادة، حيث يفرّغ التجربة الإنسانية من بعدها الداخلي، ويحوّل الذات إلى محض تفاعل عصبي حامل لأنماط من الحركة الكهربائية والكيميائية، وخالٍ من الأبعاد المعنوية.

ومن جهة ثانية، فإن هذا النمط من التفسير يغفل - أو يتغافل - عن المفارقة الكبرى في مشروعه: كيف يمكن للوعي، كنتيجة عرضية لتفاعلات مادية، أن يمتلك صلاحية تفسير تلك التفاعلات نفسها؟

إن مشروع كريك وأمثاله لا يكتفي بإلغاء المفاهيم الكلاسيكية للإنسان، بل يسعى إلى إعادة تشكيله ضمن نموذج مادي صرف، يحوّل الإنسان من ذات تسائل العالم إلى موضوع قابل للقياس والتفكيك.

إن ميزة الانتخاب الطبيعي هي الاحتفاظ بالفائدة الحيوية وازالة ما لا فائدة فيه، أو حتى أقل فائدة. لكن هذه الميزة أو ما يناظرها ليس لها شاهد في الأسباب الفيزيائية والكيميائية وقوانينها. بمعنى ان الأخيرة لا تعمل على الاحتفاظ بالنُظم الكونية الدقيقة وازالة أو إبعاد كل ما له علاقة بالهدم والخراب، فهي لا تنحاز إلى التشكيلات المنتظمة في قبال غيرها من التشكيلات العشوائية، بحيث تحافظ على ما هو منتظم وتُبعِد ما هو عشوائي. بل على خلاف ذلك ان القانون الثاني للثرموداينميك يعمل على الاخلال بالنظام وتحويله إلى العشوائية من دون عكس. لذلك لا نجد غير الانتخاب الطبيعي من يتكفل بحفظ النظام "الحيوي" لفائدته الوظيفية.

بل إن الانتخاب الطبيعي، بحسب ما يُفترض، لا يكتفي بتفسير نشوء الأنواع وتطورها، بل يُنسب إليه أيضًا دور أشبه بـ"الضبط الحيوي" الذي يعيد التوازن إلى المنظومات البيئية عند حدوث بعض الاختلالات.

فعندما تختل نسب الكائنات في بيئة ما، كأن تتزايد أعداد الصقور على حساب الطيور الصغيرة، يُقال إن الانتخاب يتدخل ليعيد النسبة إلى حالة من التوازن الحيوي، عبر آليات غير واعية ولكن فعّالة. ومثل ذلك يُقال عن التوازن بين الذكور والإناث؛ فإذا اختلت النسبة في اتجاهٍ معين، تنشأ طفرات تزيد من احتمالات ولادة الجنس الأقل عددًا، فيُعاد التوازن تلقائيًا[13].

وهذه السردية، وإن بدت محكمة من الناحية البايولوجية، لكنها تكشف عن مفارقة فلسفية لافتة؛ إذ إنها تُسند إلى آلية غير واعية وظيفة تصحيحية توحي بالحكمة والغائية، من غير أن تعترف بوجود قصد أو هدف.

فالانتخاب - كما يُفهمه داروين - لا يعمل من أجل "صالح الجماعة" أو "استقرار النظام البيئي"، بل يعمل وفق مبدأ البقاء الفردي. وهو ما يجعل هذه الوظائف الجماعية أشبه بـ "أثر جانبي" غير مقصود، وإن بدا وكأنه يحقّق غايات كبرى.

ولذلك فإن التفسير لا يزال معلّقًا بين رؤيتين: رؤية ترى في الانتخاب محرّكًا ذاتيًّا لا يعبأ إلا بالنجاح الفردي، ورؤية أخرى مضمرَة - وربما غير معلَنة - تُسند إليه حكمة تصحيحية تحفظ توازن الحياة بأشكالها المختلفة.

إن هذا التردّد بين الفردية والوظيفية، بين العشوائية الظاهرية والتوازن المستتر، يضع التفسير الطبيعاني في موقع حرج فلسفيًا؛ إذ يبدو الانتخاب الطبيعي وكأنه يمارس وظيفة "مشرّع صامت" للطبيعة، من غير أن يكون له عقل أو إرادة أو وعي.

هكذا نتساءل: ما الذي يجعل مبدأ الانتخاب ينحاز - باستمرار - إلى الاحتفاظ بالوظيفة الحيوية، وتنميتها، أو تحويرها بالشكل الذي يواكب حاجات الكائن الحي ويُحسّن من تكيفه؟

فلو كان الانتخاب آلية عمياء، غير واعية، تحكمها الصدفة والتراكم، فمن أين له هذا الانحياز المنتظم نحو الفعالية والتوازن؟ بل من أين له هذه "الحكمة الصامتة" التي تجعله، في حالات الخلل، يعيد التوازن الحيوي داخل المنظومة البيئية؟

صحيح ان هذا المبدأ لا يمتلك خططاً وأهدافاً بعيدة، لكنه في المقابل يحمل نزعة توجيهية قصيرة المدى هي التي تفسر وظيفته في الاحتفاظ بالفوائد الحيوية المناسبة، بما لا تفسرها العوامل الفيزيائية والكيميائية. وهذا ما جعل بعض العلماء المعاصرين لداروين يتهم الأخير بأنه يتحدث عن الانتخاب الطبيعي وكأنه قوة فعالة أو إله خلاق. وقد اضطر داروين إلى ان يجيب عن هذه الشبهة، مؤكداً بأن تعبيراته مجازية غرضها الايجاز وتيسير المعنى المطلوب[14].

مع هذا فإن ميزة الاحتفاظ بالفوائد الحيوية التي يعمل عليها الانتخاب الطبيعي ليست مجازية المعنى لدى داروين وأتباعه إلى يومنا هذا.

خامساً:

إنّ أكثر ما يُثير الانتباه في سياق هذا البحث هو مبدأ الذكاء، وعلى رأسه الذكاء البشري، بوصفه نتاجًا عقليًا يتجاوز التفسير الطبيعاني المحض.

فحين نرى منزلًا مؤثثًا، أو ساعةً يدوية، أو حاسوبًا إلكترونيًا؛ فإننا ندرك ـ بداهةً ـ أنّ هذه الأشياء ليست من صنع الطبيعة العمياء، بل هي ثمرات وعيٍ وهندسةٍ وغاية. فهي لا تشبه الظواهر الفيزيائية أو الكيميائية التي تحدث بتكرار وتلقائية، مثل سقوط المطر، أو التجاذب بين الكتل، أو تمدد المعادن بالحرارة، أو تفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين لإنتاج الماء. فهذه الظواهر تعمل وفق قوانين ثابتة دون علاقة مباشرة بالوعي أو القصد والذكاء، بينما نجد في تلك المصنوعات آثار القصد والتصميم.

صحيح أن تلك النتاجات "الذكية" تتكوّن، في جوهرها، من مواد طبيعية محسوسة، حيث تتألف من جسيمات وذرات وجزيئات ومن ثم قطع من الخام، لكنها بهذا الشكل المختزل لا يمكنها ان تتحول إلى  نظام وظيفي معقّد، كالمنزل والساعة والحاسوب، ما لم يتدخل فيها عامل خارجي يمتلك الذكاء والتصميم.

بمعنى ان الأسباب الطبيعية عاجزة عن ان تفعل مثل تلك الأشياء المعقدة مثلما يصنعها البشر بفعل الذكاء. وهو الحال الذي يتفق عليه أتباع المعيارين: الطبيعاني واللاطبيعاني، حيث الاعتراف بأن الذكاء مبدأ مغاير للطبيعة وإن كان يعمل من خلالها. فهو بعبارة دقيقة: ليس شيئًا يُشتق من المادة، بل هو فاعل فيها.

وللذكاء أطياف مختلفة، فمنه الذكاء البشري المألوف، كما أشرنا إليه قبل قليل، ومثله الذكاء الاصطناعي، وهو مصنّع بفعل الذكاء الأول. وعلى هذه الشاكلة الذكاء الفضائي على فرض وجوده. ومعلوم ان العلم ما زال يُجري كشوفات للبحث عن الصنف الأخير من الذكاء استناداً إلى أفق التوقع والانتظار، عسى ان يصادف اشارات فضائية ذات ملامح غير قابلة للتفسير وفقاً لمعيار الطبيعانية. كما توجد ظواهر متنازع حولها إن كانت صنيعة بعض أنماط الذكاء، أم انها وليدة الأسباب الطبيعية، كالجدل الحاصل حول ما يدور في عالم الأحياء، بدءاً من الجزيئات الخلوية إلى ما فوقها من الكائنات الحية بتعقيداتها المختلفة.

وبلا شك ان جميع هذه الأنماط من الذكاء تعتبر ناقصة وغير تامة الكمال. وفي قبالها ثمة ذكاء ميتافيزيقي متنازع حول وجوده، هو ذلك المتعلق بالذكاء الإلهي المفارق، وهو مبحث فلسفي يخرج عن المعالجة العلمية المباشرة.

سادساً:

من المحتمل ان يتقبل المجتمع العلمي التفسير اللاطبيعاني إذا ما توفر شرطان محددان، اضافة إلى وجود شاهد حسي داعم. وهو ما سيتبين كما يلي:

الشرط الأول المطلوب:

وهو ان ترتقي البايولوجيا إلى مثل ما حصل مع الفيزياء في تقبل الافتراضات غير المادية. فقد اضطرت الفيزياء إلى ان تضع ضمن منظومتها كيانات مفترضة لتفسير بعض الظواهر التي عجزت عن تفسيرها قوى المادة والطاقة المألوفتين، ومن ذلك ما يسمى بالمادة المظلمة ومثلها الطاقة المظلمة، وغيرهما من الفرضيات، بل ان بعضها تبدو اسطورية، لكنها مستوعبة ضمن النظريات الفيزيائية المعاصرة.

وأول ما يلاحظ هو ان اصطلاح "المادة المظلمة"، وكذا "الطاقة المظلمة"، هو اصطلاح اعتباطي، إذ مثل هذه الكيانات المفترضة مجهولة الوصف والتحديد إلا بالسلب، فلا يُعرف عنهما ولا عن قوانينهما أي شيء مطلقاً، فهما لا يمتلكان أي شيء مما تمتلكه المادة والطاقة المتعارف عليهما؛ مثل البروتونات والالكترونات والفوتونات والنيترينوات وما إليها. وبالتالي فهما ليسا بمادة ولا طاقة كالتي نألفها، كما لا يمكن التحسس والاستشعار بهما رغم ضخامتهما اللتين تفوقان ما لدى المادة العادية بأضعاف كثيرة، فهما يشكلان أكثر من (95%) من كثافة الكون. إذ تقدر المادة العادية حالياً بأقل من (5%)، فيما تقدر المادة المظلمة بحوالي (26.8%)، أما الطاقة المظلمة فتقدر بـ (68.3%). ومع ذلك تم افتراض المادة والطاقة المظلمتين اضطراراً لحل مشكلة التوازن الكوني، ولعلاج بعض الظواهر الكونية الغامضة التي لا يمكن تفسيرها وفق القوانين الفيزيائية المألوفة والمتعلقة بالجاذبية. وكان من الممكن ان يُعبّر عنهما بأيّ رمز غامض دون التسمية بالمألوفات كالمادة والطاقة.

ومن الطريف ان هناك من اعتبر المادة المظلمة قد أنشأت مادة أخرى تدعى "المادة الظل"، لذلك تم افتراض وجود شمس شبحية مظلمة قرينة لشمسنا، سميت "نميسيس Nemesis". وهنا تبدو الافتراضات بعضها يجرّ إلى البعض الآخر، وكلما كثُر عددها تضاءلت قيمتها الاحتمالية بحسب قاعدة الضرب في الاحتمالات[15].

وحيث ان هذه الكيانات ليست عادية، ولا يمكن تصورها بشكل ما من الأشكال، لذا فهي من هذه الناحية لا تُعتبر طبيعية بالمعنى المألوف. فليس فقط انه لا يُعرف عن هويتها شيء، بل أيضاً انها لا تمتلك أيّ شيء من المكونات التي تتألف منها المادة والطاقة. ومع ذلك تقبلتها الفيزياء المعاصرة اضطراراً لتعالج بعض مشاكلها المستعصية.

وقبل ذلك، كانت فكرة الأثير مفترضة، رغم انه لا يمتلك صفات مادية أو طاقوية محددة، فلا يُعرف عنه شيء على نحو الايجاب سوى كونه وسيطاً لانتشار أمواج الضوء على شاكلة ما يحصل في الأمواج المائية والصوتية. بل أكثر من ذلك ان "موجة الاحتمال" التي تبنتها فيزياء الكوانتم الرسمية، كما تتمثل في مدرسة كوبنهاگن، هي فكرة غير طبيعانية، فكما عرّفها هايزنبرغ بأنها تعني النزوع لشيء ما كنوع من الواقع الفيزيائي الذي يقع في منتصف الطريق بين الامكانية والواقع. لذلك رفض الفيزيائيون ان يعتبروا المدارات الالكترونية حقيقة واقعية، وانما نوعاً من الوجود بالقوة[16].

هذا هو الحال الذي لم ترتقِ إليه البايولوجيا، فليس في جعبتها افتراضات تتعلق بكينونات لا يُعرف عن هويتها شيء. وسبق ان تم نقد القوة الحيوية والاستعانة بمثال فيزيائي يتعلق بفكرة المجال المغناطيسي، فرغم ان هذا المجال هو مثل القوة الحيوية غير قابل للملاحظة، إلا انه محكوم بقوانين دقيقة خلافاً لتلك القوة. لذلك أُهملت النزعة الحيوية وأصبحت اعتقادًا متروكًا، كما أشرنا. غير أن فيزياء القرن العشرين تجاوزت هذا الحال، بينما ظلّت البيولوجيا أسيرة الاتباع للنهج الفيزيائي السابق على هذا القرن، رغم كونها أولى بتبنّي مواقف متقدمة في تقبّل الافتراضات غير الطبيعية لحل مشكلاتها المستعصية، لوجود شواهد حسّية تدعم مثل هذه الافتراضات النافعة، ولا سيما ما يتعلق بمبدأ الذكاء، كما هو الحال لدى البشر، بما يفسر فنونهم وصناعاتهم المتنوعة.

لهذا لو تمّ إتّباع منهج الفيزياء المعاصرة في تقبل الافتراضات غير المادية والطبيعية، مع اضافة شاهد حسي متعلق بمبدأ الذكاء، لكان من الممكن ان تفسر به ظواهر محددة تعجز عن تفسيرها الأنماط التقليدية القائمة على الاعتبارات المادية. فمبدأ الذكاء في البايولوجيا يعمل بمثل ما تعمل به المادة والطاقة المظلمتان المفترضتان لتفسير المشاكل المستعصية في الفيزياء.

بل ان للذكاء أكثر من ميزة تجعل من قبوله أولى من الافتراضات الفيزيائية غير المألوفة. إذ الذكاء مألوف وعليه شاهد حسي خلافاً لهذه الافتراضات. كما ان الذكاء يحمل خاصية البساطة في تفسير ظواهر من عوالم مختلفة، بعضها بايولوجي، وبعضها الآخر فيزيائي، وكل ذلك ما لا نجده لدى الافتراضات السابقة.

وبعبارة ثانية، انه مثلما تم افتراض المادة والطاقة المظلمتين في الفيزياء، وهما مجرد افتراض قائم على بعض الآثار من دون دليل واضح يفي بالغرض، فكذلك يمكن افتراض وجود وسيط كالأثير يتصف بقالب البرمجة الذكية للتعقيدات الحيوية في علم الأحياء؛ على شاكلة ما يُستخدم في عالم البرمجة الحاسوبية. فليس في الأفق ما يمكن تفسير هذه النُظم المعقدة من دون افتراض الذكاء.

بل ان هذا الافتراض المقترح قابل للانبساط على بعض العلاقات الكونية، مثل تفسير التوازن والثوابت الفيزيائية، كما سنلاحظ. لكن تمّ التغاضي عن هذه المشكلة تجنباً للانزلاق في محذور "إله الفجوات" والعوالم الميتافيزيقية، وأخذ العديد من الفيزيائيين يطرحون اقتراحاً بديلاً كما يتمثل بفكرة "الأكوان المتعددة"، رغم ان هذه الاطروحة تتضمن دلالات اسطورية يصعب على العقل البشري استساغتها، ويمكن التعبير عنها بـ "أكوان الفجوات"، حيث لا تختلف من حيث الحل السحري عن فكرة "إله الفجوات".

الشرط الثاني المطلوب:

ويتمثّل في أن يكون الذكاء المفترض لتفسير الظواهر الفيزيائية والبيولوجية - لا سيما الأخيرة - ذكاءً غير مفارق، أي لا ينتمي إلى دائرة الميتافيزيقا الخالصة، فهو ليس من قبيل الذكاء الإلهي المفارق وما شاكله مما تدعو إليه الأفهام الدينية عادة. بل هو ذكاء تدعمه دلائل علمية تشير إلى محايثته للطبيعة، دون مفارقة ميتافيزيقية خالصة. ومن هنا صغنا له مصطلح "أثير الذكاء" أو "الذكاء الأثيري"، لما له من سمة تشابه سمة الأثير المفترض في بعض نماذج الفيزياء الحديثة؛ فهو من هذه الزاوية مستقل عن الافتراضات الدينية والفلسفية الصرفة.

وعليه نعتقد أنه بجمع الشرطين السابقين، مع الاستناد إلى الشاهد الحسّي، سوف تزول – من الناحية النظرية – الإشكالات والتحفظات المعهودة التي اعتاد علماء الأحياء إثارتها إزاء إدراج مبدأ الذكاء ضمن الدائرة العلمية، ومساهمته في الصراع المنهجي والمعياري للعلم.

سابعاً:

تاريخيًا، كانت فكرة وجود قوانين دقيقة وصارمة تحكم الكون من أولى التصورات التي تبنّاها علماء الطبيعة، وبرزت بوضوح في تطور علم الفيزياء. فمنذ القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين، رسخت هذه الفكرة في أذهان العلماء ضمن إطار نظام شمولي صارم لا يعترف بالخيارات أو الاحتمالات، لا سيما عندما شاع النموذج النيوتني كتجسيد لعلاقات الكون، حيث ألقى بظلاله على جميع الدراسات بما فيها الانسانية، فكل شيء يجري وفق الخطط النيوتنية الصارمة. ورغم ان فلسفة ديفيد هيوم قد نهجت طريقاً آخر مختلفاً؛ إلا ان المسار العلمي لم يتأثر برؤيتها التجويزية.

لقد سادت الفلسفة الحتمية في تمثّلها للنظام الكوني لدى الأوساط العلمية حتى بعد ان اطُيح بنظرية نيوتن في تفسير القوانين الطبيعية العامة. فرغم ان نسبية اينشتاين حلت محل جاذبية نيوتن، إلا انها حافظت على النزعة الحتمية من دون تعديل. وجرى الحال بعيداً عن التأثر بمذهب نيوتن أو لابلاس، بل استناداً إلى الفلسفة التي اصطحبها اينشتاين من مخلفات مذهب سبينوزا حول وحدة الوجود.

مع هذا أدرك عدد من العلماء في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وجود قوانين ذات طابع إحصائي تُستثنى من الحتمية الصارمة. فقد طبّق كل من جيمس ماكسويل Maxwell ولودفيغ بولتزمان Boltzmann هذه الفكرة على القانون الثاني للديناميكا الحرارية (الثرموداينميك). وكان بين بولتزمان ومؤسس نظرية الكوانتم ماكس بلانك Max Planck خلاف حول هذا الموضوع. فقد رأى بلانك ان تزايد الاضطراب والعشوائية (الانتروبيا entropy) يمثل قانونًا أساسيًا لا يقل شأنًا عن مبدأ حفظ الطاقة، بينما اعتبره بولتزمان قانونًا احتماليًا قابلًا للشذوذ والانحراف.

لذلك وضع بولتزمان صيغة رياضية لحساب هذا التزايد الاحتمالي، وتمكّن من تقدير قيمة احتمال اعادة جزيئات عطر تنطلق من زجاجة لتنتشر في غرفة مغلقة، فقدّر ذلك بالسنين بما يقارب (10 60) سنة. وهذا الحال أشبه بعملية خلط أوراق اللعب، حيث احتمالات ترتيبها تكون ضئيلة للغاية كلما اُعيد خلطها.

وطبقاً لهذا المبدأ، رأى بولتزمان ان من الممكن ان يحدث على الصعيد الكوني تناقص موضعي في الانتروبيا حتى حين يكون الكون نفسه سائراً نحو انتروبيا عظمى لا مناص منها[17].

ويبدو ان في القانون الثاني للثرموداينميك حالتين، إحداهما احتمالية احصائية، والأخرى حتمية ليس فيها من دور للاحتمالات، وقد يكون بولتزمان وماكسويل قد تأثرا بالجانب الاحتمالي من القانون، فيما تأثر ماكس بلانك بالجانب الحتمي. فالقانون يتضمن مقالتين إحداهما تعبر عن مقدار العشوائية أو الانتروبيا، وهي ما تبرر الحالات التي يمكن فيها اعادة النظام وفق منطق الاحتمالات. أما المقالة الثانية فتعبر عن قانون صارم يفيد ان السيرورة في بعض النُظم المغلقة تتجه دوماً بشكل خطي لا عكوسي دون ان تتأثر بمنطق الاحتمال، كما في قانون انتقال الحرارة من المواد الساخنة إلى الباردة من دون عكس، وان الحَجَرة الساقطة بفعل الجاذبية من المحال عليها العودة تلقائياً وفقاً للجذب العام، وهو ما يعني وجود قوانين حتمية لا موضع للاحتمالات فيها إلا عرضاً وفقاً للنُظم المفتوحة.

وينطبق على الحالة الأخيرة بعض قوانين الفوضى والعشوائية التي تعمل على صدع قوانين النُظم الخطية، لكنها ضيقة وهامشية ضمن النظام الكوني العام. لذلك لم تحظَ باهتمام الفيزيائيين.

لقد سادت الرؤية الحتمية لنظرية اينشتاين من دون منافس خلال عقدين من الزمان، ابتداءاً من أوائل القرن العشرين إلى ما بعد منتصف عشرينات هذا القرن. ثم واجهت بعد ذلك منافساً يُحسب له ألف حساب، وهو نظرية ميكانيكا الكوانتم. فلأول مرة منذ بزوغ العلم الحديث تظهر رؤية لا تعترف بوجود قوانين صارمة لدى بعض العوالم الطبيعية العامة، وبالتحديد في العالم الجسيمي. ومن ثم تَلخّص الخلاف الجديد حول طبيعة القوانين التي تحكم العالم الأخير: إن كانت حتمية، أم يسود فيها نوع من العشوائية وعدم التحديد؛ كالذي دعت إليه ميكانيكا الكوانتم.

وكان من ضمن الخلافات التي دارت بين نظريتي النسبية والكوانتم ما يتعلق بهيئة قوانين تشكّل الكون البدئي.. فهل تشكّلَ الكون بحسب قوانين النرد العشوائية كما لدى الكوانتم؟ أم بحسب القوانين الحتمية كما لدى النسبية؟

ويوماً بعد آخر أخذت نظرية الكوانتم تسيطر على عقول الفيزيائيين حتى هذه اللحظة. وبالتالي فأغلبهم يعول على نظرية النرد الكوانتية وليس على الحتمية التي دعت إليها النسبية. ومن ثم شاع القول بأن (الإله يلعب النرد)؛ كردّ على مقولة اينشتاين المعاكسة.

وقد اتسع مجال بسط هذه النظرية في لعبة النرد حتى على عالَم الرياضيات المجردة أحياناً. فبعد ان أثبت الرياضي الشهير كيرت جودل Kurt Gödel عدم امكانية اثبات صحة أو خطأ أي منظومة رياضية؛ ذهب عالم الكومبيوتر الارجنتيني غريغوري شيتين gregory Chaitin إلى أبعد من ذلك، إذ أظهر بأن هناك رقماً غير متناهٍ للبيانات التي يستطيع المرء ان يضعها حول الحساب الذي لا يمكن ضغطه واختزاله إلى حقائق أبسط. لذا لا طريقة لاثبات صحته أو خطئه. وقد اعتبر شيتين ان هذا الحال يعادل القول بأن بنية الحساب الرياضي عشوائية، وكما قال: “الاله يلعب النرد ليس فقط في ميكانيكا الكم، ولكن أيضاً في الأعداد الصحيحة”[18].

عموماً لم تنحصر وجهات النظر حول شكل القوانين والنظام الكوني بين النسبية والكوانتم، بل ظهر لاعب جديد أبدى وجهة نظر ثالثة، وهو ما يعود إلى نظرية الشواش أو الفوضى (الكايوس Chaos). فقد ظهرت هذه النظرية في أوساط علماء البيئة والمناخ، كبديل عن رؤية الفيزيائيين عموماً، وعن الكوانتم السائدة خصوصاً.

ومن حيث الدقة، انقسم علماء البيئة إلى جماعتين، الأولى تقرّ بالنظام كقاعدة أساسية، والفوضى استثنائية، وهي تتبنى الرياضيات الصارمة. فيما ذهبت الجماعة الثانية إلى الالتزام بالشواش أو الفوضى كأساس، والنظام كاستثنائي. وقد اعتبر أصحابها ان قلة من العلماء يدركون ان جوهر الطبيعة فوضوي اضطرابي غير خطي. بل وتنبّأوا بأن مستقبل الفيزياء سيكون حليفاً لهذه النظرية أو للمعادلات اللاخطية. فقد اتهموا الفيزياء بأنها تتغاضى دوماً عن الحركة اللاخطية الصغيرة جداً كتلك التي تسببها مقاومة الهواء، ومن ذلك نظرية غاليلو حول انتظام حركة رقاص الساعة. واعتبروا الكون حافلاً بنُظم مثل هذا الرقاص.

وعلى أثر ذلك تم التمييز بين الشواش المحض والفوضى المنتظمة. فالفوضى العشوائية ترسم نقاطاً تنتثر فوق فضاء الحال بطريقة غير محددة. أما الكايوس المتسم بالحتمية والنمطية فإنه يجذب المعطيات ليصنع منها أشكالاً مرئية، فمن بين مسارات كثيرة للفوضى تبنت الطبيعة حفنة من الخيارات. فمثلاً برهن "جاذب لورنز Lorenz attractor" على وجود ثبات مضمر في نظام يبدو عشوائيًا أو بلا نسق ظاهرياً. ومن ذلك نظام التذبذبات في المدارات الالكترونية، إذ يُعدّ تغيرًا لا خطيًا، لكنه يتسم بانتظامٍ دوري تحافظ عليه دفعات خارجية، مثل تأرجح طفل في ارجوحة.

لقد واجهت نظرية الفوضى بداية الأمر تجاهلاً ونكراناً من قبل الفيزيائيين والرياضيين بسبب مسلماتها التقليدية، لكن الحال تغير فيما بعد، إذ تم الاعتراف بها وتحقق لها الانتشار.

وبذلك أصبحت النظريات الكبرى في القرن العشرين ثلاثًا، وقد برزت على التوالي: النظرية النسبية، ثم ميكانيكا الكوانتم، ثم نظرية الشواش (الكايوس). فقد ظهرت الأولى امتدادًا للرؤية التقليدية السائدة قبل القرن العشرين، في حين جاءت الثانية بديلًا عنها في بعض مجالات الفيزياء، أما الثالثة فقد برزت لتتجاوز كليهما، إذ اقترحت نموذجًا مختلفًا في تفسير الظواهر[19].

إن الشواش أو الفوضى، الذي تتناوله النظرية الأخيرة، هو ضربٌ من العشوائية، وقد اقترح بعض الباحثين تقسيمًا لهذه العشوائية إلى ثلاثة أنواع كالتالي:

1ـ عشوائية تعزى إلى التعقيد، فهناك عوامل كثيرة تتطلب فهماً من عقولنا، إذ هي في الحقيقة تنطوي على نظام خفي.

2ـ عشوائية تعزى إلى الشواش، فالنظام المستبطن بسيط لكنه محكوم بجاذب غريب Strange attractor.

3ـ عشوائية تعزى إلى اللايقين الكمومي، وهي التي لا يمكن التغلب عليها أبداً.

وتكمن نقطة الخلاف بين نظرية الشواش وقوانين الفيزياء في السؤال التالي: هل تُعدّ الظواهر المتنوعة وغير المتوقعة التي قد تحدث في نُظم أكثر تعقيداً من الجسيمات المنفردة، مؤشرات على مبادئ فيزيائية جديدة فاعلة، أم أنها مجرد نتائج مشتقة من المبادئ الفيزيائية المعروفة التي تحكم العدد الهائل من المكونات الأولية، وإنْ ظهرت بصورة معقدة؟

وبرأي الفيزيائي النظري برايان غرين Brian Greene أن هذه الظواهر ليست جديدة من حيث المبادئ، إذ اعتقد أن من الصعب تفسير خصائص إعصار مثلًا انطلاقاً من فيزياء الالكترونات والكواركات؛ لكنه اعتبر ذلك مجرد مأزق حسابي وليس مؤشراً على الحاجة إلى قوانين فيزيائية جديدة. ومع ذلك أقرّ غرين بوجود من يخالفه في هذا الرأي [20].

وعموماً يرى الفيزيائيون ان تأثيرات القوى غير الخطية صغيرة جداً، وان النظام مسيطر على العشوائية طبقاً للنظام المفتوح[21].

***

مما سبق مرّت علينا ثلاث رؤى تختلف في تفسيرها لشكل الظواهر الطبيعية، واحدة منها تتصف بالصرامة والحتمية، والثانية تتصف بالعشوائية والفوضى والاضطراب، والثالثة تتصف باللاتحدد، كما في العالم الجسيمي. لكن جميع هذه الرؤى إما تتعلق بالنُظم البسيطة، أو بالتعقيد غير المنتظم، وهي في الحالتين تعجز عن تفسير النُظم المعقدة، كتلك المناطة بالتعقيدات الحيوية.

فرغم أن لتلك الرؤى ثوابت وقوانين تُطبَّق على مجالات فيزيائية وطبيعية شتى، غير أنها تقف عاجزة أمام تعقيد النُظم الحيوية. فنظام التعقيد الحيوي ينفرد بخصائص نوعية تميّزه كليًا عن سائر النُظم الكونية، سواء كانت حتمية أو احصائية أو شواشية أو عشوائية غير قابلة للتحديد.

إنه نظام لا يخضع لتفسير القوانين الحتمية والإحصائية المألوفة، كما أن العشوائية والفوضى، سواء أكانت ناتجة عن الشواش أو عن اللاتحدد الكمومي، لا تملك القدرة على إنتاج نُظم معقدة، الأمر الذي يجعل تحليل هذا النوع من التعقيد الحيوي عصيًا على النماذج التفسيرية السائدة.

وهذا يعني ان النظريات الشمولية التي مرت معنا لا يمكن تطبيقها على حقلين مختلفين، أحدهما يتمثل بسلوكيات البشر، والثاني يتعلق بالوظائف والتعقيدات الحيوية. فسواء اعتبرنا النظام الكوني حتمياً أو احصائياً أو شواشياً أو عشوائياً أو غير قابل للتحديد، فإنه في جميع الأحوال لا يمكن تعميمه على الحقلين المشار اليهما. والفارق بينهما هو ذاته الفارق بين الطبيعاني واللاطبيعاني.

لكن السؤال الصعب: ما مصدر نظام التعقيد الحيوي؟


[1]   هذا هو علم البيولوجيا، ص200. وفرانسيس كولينز: لغة الإله، ترجمة صلاح الفضلي، الكويت، الطبعة الأولى، 2016، ص168.

[2]   Ajit Varki, Nothing in medicine makes sense, except in the light of evolution, 2012. Look:https://www.bennington.edu/sites/default/files/sources/docs/nothing%20in%20medicine%20makes%20sense.pdf

[3]   مايكل دنتون: التطور: ما يزال نظرية في ازمة التطور، ص128.

[4]   Fred Hoyle and N.C. Wickramasinghe, Evolution From Space, 1981, p. 32. Look:https://b-ok.africa/book/678054/6d2649

[5]   Richard Lewontin, Billions and Billions of Demons, 1997, New York Review of Books. Look:https://www.drjbloom.com/Public%20files/Lewontin_Review.htm

[6]   Douglas J. Futuyma, Miracles and Molecules, 1997. Look:http://bostonreview.net/archives/BR22.1/futuyma.html

[7]   Scott C. Todd, A view from Kansas on that evolution debate, Nature volume 401, page 423 (1999). Look:

https://www.nature.com/articles/46661

[8]   Robert T. Pennock, Tower of Babel: The Evidence against the New Creationism, 1999, p. 196. Look:https://b-ok.africa/book/1245833/f681e3

[9]   Francis Crick, 1966, p. 10.

[10]  Francis Crick, 1966, p. 10.

[11]  Ibid, p. 97.

[12]  Francis Crick, The Astonishing Hypothesis: The Scientific Search for the Soul, 1994, p. 3. Look:http://library.lol/main/CC1507566775DF96773F194C80C16AB6.

[13]  مايكل ريوس: تشارلس داروين، ترجمة فتح الله الشيخ واحمد عبدالله السماحي، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2010م، ص130.

[14]  تشارلس داروين: أصل الأنواع، ص161.

[15]  للتفصيل حول المادة والطاقة المظلمتين انظر: يحيى محمد: انكماش الكون، مؤسسة العارف، بيروت، 2019.

[16]  فيرنر هايزنبرغ: الفيزياء والفلسفة، ترجمة وتقديم خالد قطب، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014م، ص73 و45 و176.

[17]  لويد موتز وجيفرسون هين ويفر: قصة الفيزياء، ترجمة طاهر تربدار ووائل الأتاسي، دار طلاس، دمشق، الطبعة الثانية، 1999م، ص191 و200.

[18]  جورج جونسون: بحث في نظام الكون، ترجمة أحمد رمو، منشورات وزارة الثقافة السورية، ص77، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[19]  لقد اعتمدنا في عرض نظرية الكايوس على: جايمس غليك: نظرية الفوضى، ترجمة أحمد مغربي، دار الساقي، الطبعة الأولى، 2008م، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[20]  برايان غرين: الكون الأنيق: الأوتار الفائقة والأبعاد الدفينة والبحث عن النظرية النهائية، ترجمة فتح الله الشيخ، مراجعة أحمد عبد الله السماحي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص32، عن الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.

[21]  بول ديفيز: الاقتراب من الله، ترجمة منير شريف، مراجعة عبد الرحمن الشيخ، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010م، ص181 و207.

comments powered by Disqus