يحيى محمد
لقد حان وقت مساءلة بقرة العلم المقدسة
كتاب انتهينا منه حالياً، وتضمّن 16 فصلاً. وللتعريف به سنستعرض جزءاً من مقدمته ومحتوياته:
مقدمة الكتاب
تتنازع الأفكار كما يتنازع البشر، وتفرض بعضها الهيمنة على البعض الآخر، حتى تغدو إزاحة الفكرة السائدة واستبدالها بغيرها من أعسر المهام. وهو حال يعمّ شتى مجالات الفكر والعلوم البشرية، سواء كانت دينية أو فلسفية أو علمية أو اجتماعية أو غيرها.
وعلى الصعيد العلمي، تتنافس النظريات وتُبسط بعضها سلطتها على غيرها، فتنشأ حالة من السيادة النظرية التي تتخذ مستويين مختلفين: أحدهما عادي، حيث لا تمتاز فيه النظرية بشيء سوى شيوعها وغلبتها، والثاني إرشادي "بارادايم paradigm" كما نظّر له توماس كون في (بنية الثورات العلمية)، حيث تتحول النظرية السائدة إلى علم قياسي يشكّل أفقاً مرجعياً يؤثر في سائر النظريات من خلال التقليد والمحاكاة.
وفي كلتا الحالتين، تظل مقاومة هذه السيادة وإزاحتها أمرًا بالغ الصعوبة، لكنها تزداد شدة وتصلباً في المستوى الإرشادي مقارنة بالمستوى العادي. وأشد منهما سوية حينما يتعلق الأمر بالهيمنة المنهجية والموجهات الفلسفية العامة المتجذرة في الوعي العلمي.
ولا ريب أن مؤسسة المجتمع العلمي، شأنها شأن سائر المؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية، تُبلور موقفًا رسميًا تعبّر فيه عن تفسيرها للظواهر الطبيعية، رغم وجود أصوات معارضة أو مشككة ضمنها. وقد تتسع هذه الشريحة المعارضة مع الزمن، فإذا امتلكت رؤية تفسيرية بديلة، كان بإمكانها أن تُحدث ما يُعرف بـ "الثورات العلمية"، حيث يُعاد تشكيل الخطاب الرسمي للمؤسسة، وتتغير خارطة الفهم السائد. وعلى هذا المنوال يتقدم العلم وتتحقق تحوّلاته الكبرى.
وما يعنينا في هذا البحث ليس استبدالَ نظريةٍ بأخرى، كما فعلنا في بحث (انكماش الكون)، ولا الإطاحةَ الكاملة بالهيمنة المنهجية لبعض الموجهات الفلسفية العامة، بل ما نسعى إليه هو تقييد هذه الهيمنة من خلال إقحام موجِّه فلسفي آخر يجاورها. وهذا المسعى أعقد من مجرد استبدال نظري، إذ إن تغيّر النظرية السائدة أو تبدّل النموذج الإرشادي لا يفضي غالبًا إلى زحزحة الموجِّهات الفلسفية الراسخة التي يُسلَّم بها سلفًا. وتحديدًا، فإن ما نواجهه في هذا الكتاب هو معيار "الطبيعانية Naturalism" بوصفه موجِّهًا فلسفيًا مهيمنًا على الفهم العلمي للكون والحياة.
لقد سلطنا الضوء على مناطق نعتقد انها تندّ عن ان تُفسّر بالمعيار المشار إليه، وحددناها في أربعة حقول ومستويات ضمن عالمي الكون والحياة، وجميعها ترتبط بمفهوم التصميم "اللاطبيعاني Non-Naturalism"، وهو جوهر القضية التي نتناولها في هذا الكتاب.
ومن المهم ان نلفت الأنظار إلى ان سعة الحقائق التي توصلت إليها العلوم الطبيعية تُعدّ قليلة جداً، حيث لا تتجاوز الواحد من تريليونات الوقائع المجهولة في الكون والحياة، فهي نسبة ضئيلة للغاية وأقل بكثير جداً من (1%). ويمكن التمثيل على ممارسة العلم في اكتشاف الحقائق بمد يد في كيس كبير لتخمين ما فيه من أشياء، فما يظهر في اليد هو ما يمثل هذه الحقائق فقط، في حين يبقى ما خفي في الكيس خاضعاً للتخمين وفق ما اغترفناه. لكن ما لدينا ليس كيساً أو كيسين أو عشرة أو مائة... الخ، بل تريليونات الأكياس المغلقة التي لا نعرف عنها شيئاً إلا ما تمدّه إلينا يد التخمين وفق العملية المحدودة الآنفة الذكر.
ومن حيث الواقع يمدّنا كوكب الأرض بأغلب ما لدينا من حقائق، وكلما بعدنا عن هذا الكوكب ازداد الغموض وكثرت التخمينات. فمثلاً نحن لا نعرف إلا القليل من الحقائق التي تكتنزها المجموعة الشمسية. كما نكاد لا نعرف شيئاً عما يجري من وقائع في مجرتنا. والحال يتعقد أكثر عند النظر إلى المجرات الأخرى والتي تُعدّ بأكثر من (400) مليار مجرة وفق الحسابات الحالية. لذا فالعلم يكاد يكون معصوب العينين عند النظر إلى الكون الشاسع، وهو أشبه بالنملة التي تبحث عن غذائها وسط صحراء مترامية الأطراف.
وهذه حقيقة ينبغي الإلتفات إليها بموضوعية من دون انتقاص، لا سيما بالنسبة لمن يضعون ثقتهم التامة في النتائج العلمية من دون تمحيص، حيث يتعاملون معها معاملة الأذن السامعة مقارنة بالعين الباصرة.
على أن أبرز ما تضمّنه هذا الكتاب هو الكشف عن الأثر العميق الذي يتركه منطق الاحتمالات في بنية الوعي البشري، ومدى انعكاسه على الرؤية الفلسفية المصاحبة للعلم، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالأرقام المذهلة لما يُعرف بـ "القوة العشرية"، التي تكشف لنا عن نمط من المعاجز الكامنة في النُظم المعقدة للكون والحياة، وما تثيره من أسئلة حول التصميم والغائية.
ويُقصد بـ "القوة العشرية" أن نرفع العدد (10) إلى قوة رقمية معينة، فيُكتب مثلًا على الصورة (102)، ومعناه مئة، أي عشرة مضروبة في نفسها مرتين. وإذا كُتب (103) فهو ألف، و(104) يعادل عشرة آلاف، وهكذا دواليك. فكلما ازداد الرقم فوق العشرة بواحد، تضاعف المقدار عشر مرات. فمثلاً حين نقول (106) فنحن نتحدث عن مليون، أي (1) يتبعه ستة أصفار.
ومن خلال هذا المفهوم الرياضي البسيط في ظاهره، الهائل في أثره، نستطيع أن نلمح طرفًا من الإعجاز الذي تنطوي عليه بُنى الكون والحياة، إعجاز لا يكاد العقل يتصوره ولا يتسع له الخيال، لولا هذا المفتاح الرقمي الذي يمنحنا القدرة على تقدير ما لا يُقدّر.
فمثلاً، نعلم أن عدد الكواكب والنجوم والمجرات لا يكاد يُقارن بعمر الكون مقدّراً بالثواني، إذ يُقدّر بنحو: 1 يتبعه 17 صفراً (1017) ثانية فقط[1]. وهذا العدد يبدو ضئيلاً إذا ما قيس بعدد جزيئات بروتينات الحياة على الأرض منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، حيث يقارب: 1 يتبعه 40 صفراً (1040). وحتى هذا العدد لا يساوي شيئاً أمام عدد ذرات الكون، والمقدّر بنحو: 1 يتبعه 60 صفراً (1060). وهذا بدوره يتضاءل أمام عدد جسيمات الكون كلها - من الفرميونات كالإلكترونات والبروتونات والنيوترونات - والذي يبلغ حوالي: 1 يتبعه 80 صفراً (1080). وإذا أضفنا إليها البوزونات، مثل فوتونات الضوء والنيترينوات، ارتفع العدد إلى نحو: 1 يتبعه 89 صفراً (1089).
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكل هذه الأرقام لا تعني شيئاً إذا قارنّاها بعدد حوادث الكون ووقائعه من جسيمات وذرات وجزيئات وما فوقها، منذ نحو (14) مليار سنة بحسب التقديرات الحديثة لنشأة الكون، حيث يبلغ العدد الكلي لتلك الحوادث حوالي: 1 يتبعه 149 صفراً (10149) واقعة، كما سيأتي تحليله لاحقاً.
لكن المُفاجأة أن مقلوب الرقم الأخير، والذي يمثل احتمال تقدير أي واقعة محدّدة عشوائياً ضمن مجمل وقائع الكون منذ نشأته وحتى اليوم، يظل عديم القيمة أمام احتمالية التكوّن العشوائي لجزيئة بروتين متوسط الطول، كهيموغلوبين الدم، الذي يُقدّر بمقلوب: 1 يتبعه 190 صفراً (10-190). بل إن هذا الرقم لا يكاد يُذكر أمام احتمالات التكوّن العشوائي لبعض البروتينات الطويلة، إذ يُقدّر احتمال بعضها بمقلوب: 1 يتبعه 1000 صفراً (10-1000).
وكل ذلك يتلاشى أمام احتمال تكوّن خلية بكتيرية بسيطة عشوائياً، إذ يتطلب مقلوب عدد يبدأ بالواحد ويتبعه عشرات أو مئات الآلاف من الأصفار. فكيف يكون الحال - إذاً - مع ما يفوقها تعقيدًا وتركيبًا؟!
ولا تُجدي في هذا السياق أطروحة الأكوان المتعددة، حتى وإن فُرضت بلا نهاية، إذ تُقدّر بعض السيناريوهات عددها بنحو: 1 يتبعه 500 صفراً (10500)، فمع احتساب جميع حوادثها المفترضة، سنحصل على مقدار يبلغ: 1 متبوعاً بـ 649 صفراً (10649)، ومع ذلك فإن هذا الرقم كله لا يُقارن باحتمالات تكوين بعض البروتينات، فما بالك بالخلية الحية، فضلاً عمّا هو أعقد منها!
محتويات الكتاب
مقدمة
مدخل: مفاتح البحث الميتافيزيقي والوجود الإلهي
معايير الكشف عن الإله: السببية والنُظم المعقدة
القسم الأول: حجة الغائية والتصميم
تمهيد
الفصل الأول: تاريخ حجة الغائية وتطوراتها
الفلاسفة والغائية
بالبوس هو أول من طرح حجة الغائية
مع توما الاكويني وحجة الغائية
الحضارة الاسلامية وحجة الغائية
العلم الحديث والغائية
1ـ المنهج العلمي والغائية
العضوانية كبديل وسط
نوعان من التفكير الوظيفي
الانزلاق نحو الفكر الغائي
عود على بدء
2- حافة المنهج العلمي والغائية
الساعة الكونية بين نيوتن ولايبنتز
هيوم ونقد حجة الغائية
بيلي وصانع الساعات الذكي
الفصل الثاني: حركة التصميم الذكي
جذور نظرية التصميم الذكي
الباندا والناس ونقطة التحول
الاتهامات الموجهة لحركة التصميم الذكي
نكسة حركة التصميم الذكي
معارضة فكرة التصميم الذكي
المعارضة الدينية:
المعارضة العلمية:
القضية العلمية والتصميم
العلم في ذاته والعلم المتحقق
القضية العلمية واختلاف المعايير
هل نظرية التصميم علمية؟
التصنيف المنهجي للقضايا العلمية
نظرية التصميم والداروينية
معيار القضية العلمية
القسم الثاني: جدليات النُظم المعقدة
الفصل الثالث: ماذا لو تقدمت البايولوجيا مثل الفيزياء؟!
صراع بين الموجهات الطبيعانية واللاطبيعانية
الفصل الرابع: مشكلة الانبثاق الكوني
نظرية الكون المغلق
نظرية القفزة الكمومية
الكون الكمومي وخلق الأزواج المتضادة
الثابت الكوني ونشأة الكون
الطاقة المظلمة وتمدد الكون
القفزة الكونية من لا شيء!
نقد النظرية
الفصل الخامس: الضبط الفيزيائي الدقيق والمعضلة الاحتمالية
أنواع الثوابت الدقيقة للكون
الاعتراض على حجة الضبط الفيزيائي
فرضية الأكوان المتعددة في حلّ معضلة الضبط الدقيق
الفصل السادس: التطور البايولوجي وقاعدة عدم الاختزال
تمهيد
الانتخاب الطبيعي ومنهج الاختزال
صندوق داروين الأسود
تاريخ قاعدة عدم الاختزال
بيهي وتأسيس قاعدة عدم الاختزال
غياب المنشورات العلمية
الآلات البروتينية وقاعدة عدم الاختزال
نموذج معضلة سوط البكتيريا:
نقد قاعدة عدم الاختزال
1ـ تجاهل المنشورات العلمية
2ـ تهافت قاعدة عدم الاختزال
3ـ ضعف مثال مصيدة الفئران
4ـ نقد النماذج التطبيقية
ما الذي استهدفه بيهي في الصندوق؟
معيار عدد خطوات الترابط
الفصل السابع: كيف نشأت الحياة؟
افتراضات أصل الحياة
تجارب البحث في نشأة الحياة
مسالك تفسير نشوء الحياة
1ـ فرضية التنظيم الذاتي
نظرية كوفمان
2ـ فرضية عالم الرنا
اعتراضات العلماء
عود على بدء
الحياة ومعضلة المعلومات
الفصل الثامن: ما هو أعظم من الأكوان اللامتناهية!
نشأة الحياة ومشكلة الحسابات الرياضية
نشأة الحياة وفرضية الذكاء
صناعة الحياة في ثمان اطروحات
الفصل التاسع: هل نحن صنيعة فايروسات الفضاء
تاريخ فرضيات البذور الكونية
نظرية الكون الجرثومي
تطورات نشوء فكرة الكون الجرثومي
المذنبات هي مصدر الحياة
أدلة الفضاء الحيوي
1- دليل الحفريات
2- دليل المذنبات
مذنب هالي
3- دليل الستراتوسفير
4- دليل المريخ
خلاصة الأدلة
مخاطر انتقال الحياة إلى الأرض
المصدر الفضائي لنشأة الحياة وتطورها
الفايروس عملة بوجهين
1ـ الوجه الوبائي للفايروس
2ـ الوجه التطوري للفايروس
الجمع بين الخلق والتطور
خلاصة النظرية
الفصل العاشر: لماذا نحن هنا؟
الموقف الايجابي:
الموقف السلبي:
مغزى الوجود البشري!
المنتظر القادم!
الفرضية الأولى:
الفرضية الثانية:
الكائن الجديد والتطور الموجّه
الانسان ذلك الوسيط البائس
معيار تحديد هوية الكائن الجديد
خلاصة
القسم الثالث: الكأس المقدسة في اكتشاف معيار التصميم
الفصل الحادي عشر: العشوائية المنتجة للنُظم
ششسذدذ أوث فقفب.. دوكينز أنت مخطئ
شروط انتاج الوظيفة في النُظم المعقدة
أنواع النُظم ذات العلاقة بالعشوائية والذكاء
1ـ النظام التكراري:
2ـ النظام الوظيفي:
3ـ نظام الضبط العددي الدقيق:
4ـ نظام الرياضيات المجردة:
خلاصة
الفصل الثاني عشر: الكشف عن منطقة الاحتمال النوعي
قانون الذكاء والاحتمال النوعي
شروط معيار الذكاء
فرضية الخوارزمية التطورية
معيار التعقيد المخصص
التعقيد المخصص والمعلومات
نقد نظرية التعقيد المخصص
عود على قانون الذكاء والاحتمال النوعي
الفصل الثالث عشر: أثير الذكاء والتصميم
أثير الذكاء ومعاني التصميم
المعنى الاختزالي الضعيف للتصميم
المعنى غير الاختزالي الضعيف للتصميم
المعنى القوي للتصميم
أثير الذكاء والفيزياء
أثير الذكاء وقياس التمثيل
هل يحتاج أثير الذكاء إلى مفارق؟
القسم الرابع: صخرة الإلحاد
الفصل الرابع عشر: الشر كقلق وجودي
نظرة تاريخية
الشر ورؤية الفلاسفة القدماء
الشر والرؤية الدينية
اعتراضات فولتير
الشر والحجاجات الإلحادية
مشكلة الشر والجدل المعاصر
الفصل الخامس عشر: الشر والحجج المناهضة للاهوت
1ـ تناقضات الحجة اللاهوتية
2ـ الشر المجاني
3ـ الاحتجاب الإلهي
فوائد الشر والآلام
نظرية كوشنر في تفسير ظاهرة الشر
المأساة الشخصية والإلحاد
علاقة الشر بمصدر الخلق
الفصل السادس عشر: نظرية عجز المادة الأصلية
الشر وأصالة العدم والفوضى
الشر والفوضى وحجة الإيمان
هل الله قادر على ازالة الشر؟
لكن ماذا بشأن الشر الصادم؟
المصادر
1ـ المصادر العربية
2ـ المصادر الانجليزية