-
ع
+

نظرة موجزة للتعرف على نظرية النسبية

 يحيى محمد

يؤرخ لنظرية النسبية لأينشتاين منذ (سنة 1905)، حيث كتب خلالها أربعة بحوث من بينها ما يعرف بنظرية النسبية الخاصة (special theory of relativity) والتي اعتمد فيها على كل من معادلات ماكسويل وتحويلات لورنتز، وقد اعترف بأن نسبيته الخاصة متبلورة من هاتين النظريتين عن الظواهر الكهرومغناطيسية، خصوصاً وان هذه المعادلات تتضمن عامل الزمن الذي استعان به أينشتاين ضمن رباعيته المتصلة للزمكان، وهو ما لا يتوفر في قانون نيوتن للجاذبية. وبتعبير آخر ان من الممكن ايجاد النسبية الخاصة ضمن معادلات ماكسويل للظواهر الكهرومغناطيسية، ولم يكن لأينشتاين سوى ‹‹اكتشافها واظهارها من خلال تأمله بالتناظرات التي تتمتع بها هذه المعادلات في حالات مختلفة من الحركة العطالية››. كما ان معادلات التحويل للنسبية الخاصة ولورنتز تحمل هي الأخرى معاملاً مشتركاً هو:

 

حيث (v) هو سرعة الجسم، و (c) هو سرعة الضوء الثابتة. ويعلم من هذا المعامل المشترك أنه لا يمكن ان تكون سرعة الجسم أعظم من سرعة الضوء، إذ عند التعويض سينتج لنا عدداً تخيلياً.

ويشترك هذا المعامل الذهبي في حساب كل من تغير الكتلة والزمن والطول عند تغير سرعة الجسم. ففي جميع الاحوال أنه تقسم الكتلة أو الزمن أو الطول على ذلك المعامل لتظهر نتيجة التغير الجديد لهذه المقاييس. فمثلاً في حالة الكتلة (m) تكون المعادلة كالتالي:

 

وكذا الحال في حالة الزمن والطول.

وبحسب العلاقة الرياضية السابقة للنسبية فإنه كلما زادت سرعة الجسم زادت كتلته، ووفقاً لذات العلاقة ومثلها علاقة أينشتاين حول الكتلة والطاقة فإن ذلك يبين استحالة تجاوز سرعة الضوء. أو ان الوصول إلى سرعة الضوء يفضي إلى كتلة لا نهائية، مما يقتضي صرف طاقة لا نهائية، فاندفاع الجسم أو تسارعه هو حاصل ضرب كتلته في سرعته، وكلما زادت سرعة الجسم زادت كتلته الثقالية ومن ثم زادت كتلته العطالية ايضاً. في حين أنه كلما صغرت الكتلة كلما تضاءلت العطالة ومن ثم زادت السرعة، وهو ما يبرر لماذا كانت سرعة الضوء بهذا القدر الكبير، فذلك يعود إلى ان كتلته السكونية تساوي صفراً، مما يجعل عطالته ضعيفة للغاية، وهو ما يجعل سرعته كبيرة بالتبع.

لقد ضمّن أينشتاين نظريته النسبية الخاصة بقوانين هندسة الفضاء الاقليدية ضمن مرجع عطالي تكون فيه السرعات منتظمة، ولم يتناول فيها مسألة الجاذبية، لكنه تناول الاخيرة والسرعات المتغيرة ضمن هندسة جديدة غير اقليدية (عام 1915)، وهي ما تعرف بالنظرية النسبية العامة (general theory of relativity). أي ان بين النظريتين عشر سنوات، ولاهميتهما وغرابتهما، لا سيما الاخيرة، فقد ظهرت الكثير من الكتب حولهما. فخلال ست سنوات بعد التأكد من صحة تنبؤه حول انعطاف الضوء (عام 1919) تم نشر أكثر من ستمائة كتاب ومقالة عن النسبية، وكان من بين الكتّاب علماء وفلاسفة معروفون؛ مثل لورنتز وماكس بلانك وماكس بورن وادنجتون وبرتراند رسل وغيرهم.

وكان من أهم النتائج التي جعلت أينشتاين يشتهر شهرة كبيرة على الصعيد العلمي هو تفسيره الدقيق لشذوذ مدار عطارد والذي لم تستطع جاذبية نيوتن تفسيره، بالاضافة إلى تنبؤه بانعطاف الضوء المقترب من الشمس، ناهيك عن مساهمته في تأسيس نظرية الكوانتم استناداً إلى اعتبار الضوء جسيمات كمومية دون الغاء الطابع الموجي له. فكل ذلك جعل الكثير من المؤرخين وفلاسفة العلم ينظرون إلى العلم الفيزيائي المعاصر بأنه مدين إلى أينشتاين بما لا يناظره رجل اخر. ورغم العديد من الاقتراحات التي قُدّمت لمنح أينشتاين جائزة نوبل، إلا أنه كان يقابل بالرفض حتى بعد ان تبينت النتائج الباهرة حول صدق تفسيره لشذوذ حركة عطارد، وصحة تنبؤاته المتعلقة بانعطاف الضوء بسبب جاذبية المجال الشمسي، والتي تم مشاهدتها خلال كسوف (عام 1919). فمثلاً من بين الاعتراضات التي قدمتها هيئة تحكيم الجائزة (عام 1920) هو وصفها لنتائج الكسوف بأنها غامضة، وان العلماء لم يتأكدوا بعد من هذا الانعطاف نحو الطرف الاحمر من الطيف. كما ان تفسيره للازاحة لمدار عطارد قوبل هو الآخر بالاعتراض تعويلاً على رأي جيركيه القائل بأن هذا الشذوذ يمكن ان يفسر بنظريات أخرى ايضاً.

وقيل ان منع أينشتاين من الحصول على جائزة نوبل حتى مطلع العشرينات من القرن الماضي هو لاسباب تتعلق بالعداء للسامية كما سادت خلال النصف الأول من القرن المنصرم، وكان من بين المعادين للسامية الفيزيائي المشار اليه سلفاً جيركيه، ومثله الفيزيائي التجريبي لينارد الذي كانت له عداوة شخصية مع أينشتاين بسبب معاداته لليهود، فمن بين اعتراضاته على النسبية أنه اعتبرها قد بُنيت على معادلات وليس على مشاهدات، وهي برأيه تهين الفطرة السليمة البسيطة لاي عالم فيزيائي.. وكان لينارد يبدي كراهية لنوع التفكير الذي يطلق عليه (التخمين الفلسفي) ويعتبره خاصية من خصائص العلم اليهودي. لذلك اعترض على نتائج التنبؤات وتفسير شذوذ عطارد وانعطاف الضوء.

مع ذلك فقد حصل أينشتاين على جائزة نوبل (عام 1921)، لكن منحه لها لم يكن مناطاً باكتشافاته النظرية الباهرة حول النسبية (سواء الخاصة أو العامة) ومنها تفسير شذوذ حركة عطارد وانعطاف الضوء، بل كان لبحثه حول التفاعل الكهروضوئي المنشور (عام 1905)، والذي اكد فيه على الطابع الجسيمي للضوء، إذ وضع معادلة تعطي تردد الفوتون اللازم لانتزاع إلكترون من سطح معدن واكتساب طاقته الحركية، وقد شرحها في صفحة واحدة لا غير، وتم التحقق من صحتها بتجارب ميليكيان. فكانت البداية الحقيقية لمرحلة تأسيس نظرية الكوانتم، رغم أنه تراجع عنها - فيما بعد - عندما اعتقد أنها انحرفت عن الطريق السليم.

comments powered by Disqus