-
ع
+

هل الزمن يتباطأ فعلاً؟

يحيى محمد

وفقاً للنسبية الخاصة لأينشتاين فإن الجسم عندما يكون في سرعة كبيرة فإنه يعاني من جملة طوارئ وخصائص غير مألوفة، مثل زيادة كتلته وقصر طوله، وتباطؤ زمنه. وقد زيد على ذلك في النسبية العامة انكماش الجسم وليس مجرد قصر الطول، سواء في السرعات الكبيرة أو ضمن مجالات الجاذبية الضخمة، وان لم يثبت ذلك تجريبياً. ولكي يصل الجسم إلى سرعة الضوء فإنه سيحتاج إلى طاقة غير متناهية وستصبح كتلته غير متناهية، وان طوله سيغدو صفراً، كما ان زمنه سيتوقف كلياً. وعادة ما يذكر بأن عدداً من هذه الحالات الطارئة قد تم اثباتها بالدليل التجريبي. واغرب ما في هذه التغيرات ما يتعلق بتباطؤ الزمن، الأمر سنركز عليه دون البقية.

نعرف في حياتنا اليومية ان هناك علاقة بين السرعة والزمن والمسافة أو المكان. وكثيراً ما يقال بأن نظرية النسبية تنظر إلى الزمن باعتباره مكانياً سكونياً. لكن بغض النظر عن ذلك فالملاحظ ان العلاقة بين الزمان والمكان تبقى ثابتة من دون تغيير، وفقاً للعلاقة الرياضية التي تربط السرعة بكل من المسافة والزمن، إذ تتناسب السرعة طرداً مع المسافة وعكساً مع الزمن (v = d/t). بمعنى ان ما يكثر فيه الزمن يتسع فيه المكان والعكس بالعكس. فالزمن المتسع يكافئ المسافة الطويلة، وبالعكس. فبحسب المعادلة السابقة ان السرعة عندما تزداد، فذلك يعني إما ان المسافة طالت مع ثبات الزمن، أو ان الزمن أخذ يتناقص مع ثبات المسافة، فكلا المعنيين يتساويان من حيث علاقتهما بزيادة السرعة. كما قد تكون هناك حالة ثالثة وهي ان تطول المسافة بعض الشيء ويتناقص الزمن بعض الشيء ايضاً.

وفي حياتنا العادية نحن نألف المسافة الثابتة دون الزمن، بمعنى اننا نلاحظ عند الاسراع بأن الزمن يقل مع بقاء المسافة كما هي ثابتة، إلا أنه من الناحية النظرية وبحسب التكافؤ الرياضي قد نعكس هذه الحالة ونعتبر عند التسارع ان الزمن ثابت لا يتغير في حين ان المسافة تتغير أو تستطيل. وهو ما نعتبره من الحيل الرياضية بحسب هذه الشكلية وفقاً لوجداننا الحسي.

وبالتالي فعند السرعة الكبيرة نحن مخيرون نظرياً إما ان نعتبر الزمن يقل مع بقاء المسافة كما هي، أو نعتبر المسافة قد استطالت مع بقاء الزمن كما هو دون تغير. أو يمكن ان نعتبر جزءاً من الزمن يقل مع جزء مناظر من المسافة يستطيل.

فمن الناحية الرياضية ان هذه الخيارات متكافئة تماماً.

لنلقي نظرة حول كيف تم اثبات تباطؤ الزمن وكون التزامن نسبياً، وان اللحظة الواردة في ظرف معين كالسرعة الكبيرة جداً هي غير اللحظة الواردة في ظرف آخر كالسرعة الصغيرة أو السكون. فكثيراً ما يشار حول هذا الاثبات في التأويل الرياضي للنسبية الخاصة حول قطار سريع تبلغ سرعته المنتظمة نصف سرعة الضوء أو أكثر أو اقل، ويفترض ان في إحدى عربات القطار شخصاً جالساً وآخر يقف على رصيف المحطة ينتظر، وفي سقف العربة هناك مصباح ضوء، وطبقاً لإفتراض النظرية النسبية الخاصة فإن سرعة هذا الضوء ثابتة في الفراغ أو في مرجع عطالي. وبحسب هذه الإفتراضات فإن مسار الضوء الذي يراه الجالس في العربة هو غير المسار الذي سيراه الشخص خارج القطار عندما يمر عبر المحطة، إذ الجالس في العربة سوف يرى الضوء يسير بخط مستقيم، أما من هو خارج القطار فسيراه منحرفاً باتجاه حركة القطار السريعة. وبذلك يمكن تصور مثلث قائم الزاوية يتكون من مساري الضوء والقطار، ويمكن تطبيق قاعدة فيثاغورس على ابعاد هذا المثلث، حيث ان مربع الضلع الكبير يساوي مجموع مربعي الضلعين الآخرين. بمعنى ان المسافة التي يقطعها الضوء بحسب الضلع الكبير هي أكبر من المسافة التي يقطعها الضوء في الضلع الصغير، وحيث ان المسافة تساوي السرعة مضروبة في الزمن، لذا سيكون الزمن الوارد في المسافتين التين يقطعهما الضوء مختلفاً.

فمن هذه المعادلة يستنتج بأن الزمن مختلف لدى من هو جالس في العربة ومن هو واقف خارجها، وان هناك تباطؤاً في هذا الزمن لدى الأول مقارنة بالثاني. فاللحظة التي يعيشها الأول تكون بطيئة وممتدة مقارنة بالاخر، فلو ان الساعة لدى الأول كانت تشير إلى الثامنة بالضبط، فإنها لدى الآخر تشير إلى أكثر من ذلك كإن تكون التاسعة وما اليها. وكثيراً ما يُمثل على ذلك بتوأمين أحدهما يسافر بسرعة كبيرة جداً في الفضاء والآخر في الارض، فإذا فرضنا ان عمر كل منهما ثلاثون سنة، وان المسافر قد طال سفره خمس سنوات مثلاً، فعندما يعود فسيرى ان توأمه الارضي قد مر عليه زمن اطول؛ كأن يصبح عمره خمسين أو ستين سنة في قبال خمس وثلاثين سنة للآخر المسافر.

ومن الناحية الرياضية لنفترض ان القطار يتحرك من اليسار إلى اليمين، لذا سينحرف مسار الضوء في سقف القطار باتجاه اليمين بالنسبة لمن هو واقف على الرصيف في الخارج، لكنه يسير باستقامة تامة لمن هو جالس في عربة القطار، ومن ذلك يتشكل المثلث التالي:

       
   
     
 

 

 

                     d1                                                         

  d2    2                                                               ct

              d3                           vt

 

فبحسب قاعدة فيثاغوس فإن مربع المسافة (d1) يساوي مجموع مربعي المسافتين للضلعين الآخرين (d2) و(d3). وحيث ان المسافة تساوي السرعة مضروبة في الزمن (t)، سواء ما يتعلق بسرعة القطار (v) أو بسرعة الضوء الثابتة (c)، لذا فبالتعويض ستنتج لنا المعادلة التالية: 

ومن خلال تحليل هذه المعادلة عبر عدد من الخطوات الجبرية البسيطة سوف تنتج المعادلة الخاصة باختلاف الزمن كالتالي:

وواضح من خلال المعادلة السابقة ان الزمن المتعلق بمن هو خارج القطار يكون أطول مقارنة بمن هو جالس فيه.

ولا شك ان هذه الاعتبارات نظرية ضمن التأويل الرياضي، وهو لا يخلو من إشكال، فهو تأويل يفترض ثبات سرعة الضوء في الحالتين من المسافة، أي بالنسبة للشخص الجالس في العربة وذلك الذي خارجها، وهي الفرضية التي قامت عليها النسبية الخاصة، مع أنه بحسب النسبية العامة هناك تكافؤ بين الثقالة والسرعة، فقوانينهما واحدة دون اختلاف، وانه لا فرق بين تعرض الجسم لجاذبية ضخمة، وتعرضه لسرعة كبيرة، وان الضوء ينعطف في حالة الجاذبية الكبيرة مما يجعله يتباطأ، وهو التنبؤ الذي تم اثباته (عام 1919)، ومثله عندما يتعرض إلى سرعة كبيرة فسيتباطأ هو الآخر. وبحسب مثالنا السابق هناك سرعة كبيرة لا بد من ان تؤثر على مسار الضوء بالنسبة لمن هو خارج العربة، وبالتالي لا بد من ان تكون سرعة الضوء لدى مسافة الضلع الكبير هي اقل من سرعة الضوء الثابتة لدى مسافة الضلع القصير، الأمر الذي يجعل خللاً في اثبات تباطؤ الزمن واختلاف التزامن بين داخل العربة وخارجها، فهما ينتميان إلى نظامين مرجعيين مختلفين، أحدهما عطالي أو قصوري، أما الآخر فليس كذلك لكونه مشدوداً بجذب قوي وفقاً للسرعة الكبيرة للقطار.

وحينما وضع أينشتاين نظريته حول النسبية الخاصة (عام 1905) لم يكن قد اكتشف تباطؤ سرعة الضوء وتغيره وفقاً لسرعة المصدر الحامل له وعلاقة ذلك بالثقالة. فقد كان يتصور ان سرعة الضوء تبقى ثابتة كمبدأ مفترض اساسي في قبال نفي الاثير. لذلك اندهش العلماء عندما احدث رؤية مغايرة بعد ست سنوات من وضع تلك النظرية (عام 1911)، إذ صرح بأن سرعة الضوء تتناقص بسبب الثقالة، وكان زميل أينشتاين وكاتب سيرته بانش هوفمان قد عبّر عن استغرابه ودهشته من هذا التحول، فقال في وصف ذلك: ‹‹كل هذا ماذا يعني؟ ان سرعة الضوء ليست ثابتة، وان التثاقل يبطئها، يا للضلالة! ومن اينشتيان نفسه!››.

والطريف ان يظهر فيزيائيون يؤكدون نتيجة مخالفة تماماً لما تقوله نسبية أينشتاين، سواء الخاصة أو العامة، ومنها ما يتعلق بموضوعنا حول تباطؤ الزمن. فهؤلاء لم يتقبلوا إفتراض ثبات سرعة الضوء أو أنها غير قابلة للتجاوز، وبعضهم افترض أنها في الزمكانات الضخمة، كما في الثقوب السوداء أو بداية نشأة الكون، تبدو اعلى بكثير مما عهدناه، بمعنى ان هذه السرعة للضوء التي تتجاوز المألوف لا تأتي وفقاً لتردده ومصدره، بل لاختلاف زمكانه وحرارته الضخمة، كما في بداية نشاة الكون. ولأن سرعة الضوء في هذه الحالة كبيرة فإن مفعول الزمن سيكون معكوساً، فلو كانت هذه السرعة ثابتة لتباطأ الزمن، إلا أنها لما كانت كبيرة جداً فإن الزمن سيجري بسرعة كبيرة جداً، وكأنه ينقضي دهراً وليس امتداد ثانية. فالتوأم المفترض في هذه الحالة عندما يسافر بالقرب من ثقب اسود فإنه سيشيخ بسرعة. فالسرعة الكبيرة في المجال الكهرومغناطيسي للضوء تجعل من نبضات قلوبنا تسرع هي الأخرى.

وللطريقة الجديدة في تغير سرعة الضوء نتائج عديدة ومن بينها أنها تتجاوز مبدأ غاليلو في تساوي سرع الاجسام المختلفة الكتلة. كذلك فإن لها علاقة بالثابت الكوني وعدم وجود بداية ونهاية للكون، خلافاً للرؤية الأينشتاينية، وقد صورها ماكيويجو تصويراً اسطورياً. كما ان لها علاقة بزيادة طاقة الفراغ وتغيير الكون والتسطح وتكوين المادة، وان الانخفاض الشديد لهذه السرعة يفضي إلى إنفجار عظيم للكون.

وبغض النظر عن الحسابات الرياضية، هناك التجارب التي بينت كيف ان الزمن يتباطأ، فكثيراً ما يشار إلى نوعين من التجارب لاثبات هذا المطلب، بعضها يتعلق بسلوك الجسيمات القصيرة العمر وغير المستقرة مثل جسيم الميون الذي يشابه الإلكترون مع فارق كتلته التي تبلغ حوالي (200 مرة) أعظم من كتلة الإلكترون، والبعض الآخر له علاقة بقياسات الساعة الذرية.

فلنبدأ بشرح النوع الأول من التجارب:

ان الميونات هي جسيمات تتولد من الشعاع الكوني عندما تصطدم ذراته بطبقات الجو العليا فتنتج بيونات تتحلل بدورها إلى ميونات سالبة وموجبة، ومن ثم سرعان ما تتحلل هذه إلى جسيمات أخرى.. وقد لوحظ ان لها عمراً محدداً قصيراً عندما تكون في حالة عادية سكونية، بيد أنها تزداد عمراً قبل ان تتفكك عندما تكون سريعة الحركة، فهي تتحول إلى جسيمات غيرها خلال الغلاف الجوي ضمن عمرها الاعتيادي، لكن لوحظ ان لها تواجداً في الارض أو تحت سطحها قبل تفككها إلى غيرها، الأمر الذي استدل من خلاله بأن لها سرعة اضافية تجعلها أكثر عمراً، أو أطول زمناً.

وهو امر يطابق ما تم التأكد منه في التجارب المختبرية، فمن الثابت ان عمر هذا الجسيم قصير للغاية، ولوحظ أنه عند اسراعه في مختبر المصادمات يطول بقاؤه، فعند تسريعه في المعجلات إلى حوالي (99,5%) من سرعة الضوء فإن عمره يزداد عشرة اضعاف ما كان عليه. بمعنى أنه يبقى مستمر الوجود أكثر عندما تضاف له قوة التسريع. فالميون في حالته العادية في المختبر ومن غير تسريع يكون له عمر متوسط يقدر بحوالي اثنين من مليون من الثانية، أو (2,2 في 10-6 ثانية)، وبعدها يتحلل ويتفكك إلى إلكترونات ونيوترينوات. وفي حالة تسريعه فإن هذا العمر الضئيل يأخذ بالطول اكثر، مما يدل على تباطؤ الزمن.

مع ان هناك تفسيراً آخر أكثر انسجاماً ومنطقية دون ان يكون له علاقة بتباطؤ الزمن. فتزويده بالطاقة من خلال التسريع يكفي لجعله أكثر بقاءاً دون حاجة لإفتراض هذا التباطؤ. فاسراع الميون يعني تزوده بالطاقة، وهذه الطاقة هي ما تجعله أكثر بقاءاً. فمثلاً لو رمينا حجراً في الفضاء مرتين وبقوتين متفاوتتين فسنرى ان الحجر يستمر في الفضاء أكثر زمناً عندما تكون قوة الرمي اكبر، بمعنى ان زمن حركته في الفضاء تكون أطول مقارنة بالرمية الثانية. ورغم تفاوت الزمن فنحن لا نفسر رمية الحجر القوية بأنها دليل على تباطؤ الزمن، إذ لا معنى لذلك مع أنها قد تأخرت زمناً قبل السقوط، وكذلك يمكن تفسير سلوك بقاء الميون قبل تحلله أكثر عند تزويده بالطاقة اكثر، بدلالة ان الميون الذي يملك طاقة عالية تكون له قدرة كبيرة على اختراق الصخور، فالبقاء والاختراق مفسر بحسب وجود الطاقة وهو يكفي دون حاجة لاضافة اطالة زمنه وفقاً للبساطة.

اما النوع الثاني من التجارب فيتعلق بالقياسات المعتمدة على الساعة الذرية، وهي تختلف عن تلك المناطة بقياس عمر الجسيمات قصيرة الحياة. وهناك تجارب متعددة تذكر في هذا المجال، ومن ذلك أنه تمت المقارنة بين ساعتين ذريتين إحداهما ثابتة والاخرى متحركة داخل طائرة نفاثة، ولوحظ ان الساعة الموجودة في الطائرة المتحركة قد قاست زمناً اقل قليلاً جداً من تلك الثابتة على الارض، لذا اعتبر ذلك شاهداً على تباطؤ الزمن ولا علاقة له بالمسافة. كما تمت المقارنة بين طائرتين تسيران باتجاهين مختلفين بالنسبة للارض، فلوحظ ان هناك فارقاَ ضئيلاً فيما سجلته الساعتان الموجودتان على متنهما.

والحال ذاته ينطبق فيما لو كانت هناك جاذبية كبيرة، فهي تعمل مثلما تعمل السرعة الكبيرة في تبطئتها للزمن، وقد لوحظ في تجربة قام بها كل من روبرت فيسوت ومارتين ليفين بالإشتراك مع معاونين من وكالة الطيران والفضاء ناسا باطلاق صاروخ سكوت من جزيرة بفرجينيا (عام 1976)، وكان الصاروخ يحمل ساعة ذرية دقيقة تصل إلى حوالي جزء من تريليون من الثانية، وكان الهدف هو جعل الصاروخ يرتفع ليقل تأثير الجاذبية عليه ومن ثم يقارن التوقيت فيه مع ساعة ذرية في الارض تحت تأثير جاذبيتها، وقد لوحظ ان الساعة الذرية على ارتفاع (6000 ميل) تدق اسرع بمقدار أربعة اجزاء في المليار مقارنة بمثيلتها على الارض. وهو ما يتفق مع ما تفترضه نظرية النسبية. ومثل ذلك وضعت ساعتان دقيقتان للغاية (عام 1962) في قمة وقاع برج ماء، حيث لوحظ ان الساعة التي في القاع لها دوران ابطأ من تلك التي في القمة.

ان هذه التجارب تستدعينا للتعرف باختصار على كيفية اشتغال هذا النوع من الساعات الذرية. فهي مصممة عبر انتقال الإلكترون في ذرة بعض العناصر (مثل السيزيوم) من مستوى طاقة عالية إلى أدنى، وخلال هذا الانتقال فإنه يبعث شعاعاً راديوياً له ذبذبات مقاسة باكثر من تسعة مليارات ذبذبة خلال هذا التحول، وبالتحديد (9,192,631,770) ذبذبة، وهي الفترة التي تم الاتفاق على اعتبارها تشكل ثانية واحدة. فهذا هو اصل طريقة عمل الساعة الذرية، لكن مع ذلك فإن هذه الساعة لا تخلو في قياسها من بعض الاخطاء الضئيلة، ويقدر الخطأ فيها بثانية خلال عدد من ملايين السنين، وجاء في بعض التقديرات (لعام 2004) ان الخطأ يكون ثانية لكل ثلاثين مليون سنة، وهو ما يعني أنها تتأثر بالظروف المحيطة، وقد يكون من بين هذه الظروف التي تؤثر على عملها السرعة الكبيرة. لذا فالساعة ليست بصدد قياس الزمن كشيء مستقل موضوعي. فحتى لو أخذت ذبذبات الساعة الذرية تتقلص عند السرعات الكبيرة باضطراد، إلى درجة يكون عمل الساعة بمثابة تنبؤ دقيق للحسابات الرياضية، فمع ذلك ان من الممكن تفسير الحال بما له علاقة بالجسيمات وذبذباتها دون الزمن ذاته، فطبيعته ما زالت موضع اختلاف بين الفلاسفة وكذلك العلماء.

ان هذه التجارب المتعلقة بالساعة الذرية وغيرها تعتبر مقنعة بالنسبة للفيزيائي عادة، فهي على الاقل متسقة مع نظرية النسبية، لكنها من وجهة نظر ابستمولوجية ليست ذات علاقة بالزمن رغم اتساقها مع النظرية وتنبؤاتها. فهي لا تدل على معنى الزمن كما نفهمه. والاتساق في حد ذاته لا يدل على مصداقية الشيء كواقع. ويدرك الفيزيائيون الكثير من الحالات النظرية ذات الأبعاد المتسقة لكنها تواجه واقعاً مختلفاً. فلا شك ان الساعة الذرية تمتلك دقة كبيرة للقياس عند مقارنتها بساعاتنا العادية، لكن لا هذه ولا تلك لها دلالة على تحديد طبيعة الزمن، فهي قياسات معتبرة لتسهيل حياتنا، دون ان يكون لها علاقة بالتباطؤ أو التسريع. ففي الساعات الذرية ان تحول ذبذبات الجسيمات إلى الزيادة أو النقصان يبدي تأثراً بالعوامل الخارجية، فقد تؤثر عليها الحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة أو السرعة الكبيرة أو الجاذبية الكبيرة، فالتأثير حاصل على الجسيمات ذاتها، ولا علاقة لهذه الجسيمات بالزمن، فالحال شبيه فيما لو تعرضت له ساعاتنا من اسراع أو تأخير بسبب ضعف التوصيل الكهربائي، أو لاسباب أخرى خارجية، فذلك لا يدل على ان الزمن أخذ بالتحول، بل نحن نصادف مثل هذه الحالات في هذه الساعات يومياً دون ايعاز ذلك للاشارة إلى الزمن الحقيقي. فكذلك فيما يتعلق بطبيعة الجسيمات، إذ التجارب تعرفنا بما يحصل من تغير في هذه الجسيمات لا في الزمن. فالزمن شيء وما نقيس به وفقاً لاعتبارنا شيء اخر.

ان فكرة الزمن التي تحدث عنها أينشتاين وفق معادلاته الرياضية هي فكرة خيالية تتضمن المعنى المكاني السكوني كما عبر عن ذلك عدد من الفيزيائيين والرياضيين، ومنهم روجر بنروز. فحيث ان الزمان مكان، أو هو زمان تخيلي، لذا من الممكن التعامل معه بشيء من الحالة العكوسية، أو ما يعبر عنه الفيزيائيون بالقابلية للرجوع إلى الماضي، وبالتالي فمن الممكن الذهاب اماماً وخلفاً على السواء، كما يحصل في المكان. ويستند هذا التصور إلى الاعتبارات الرياضية للنسبية، فبحسب المعادلات ان الجسم لو زادت سرعته أكثر فاكثر فإنه سوف يتباطأ زمنه أكثر فاكثر، وعندما يصل إلى سرعة الضوء فإن الزمن سيكون صفراً، ولو زاد على هذه السرعة فسيكون الزمن خيالياً أو مقاساً بالسالب ويدعى بالزمن التخيلي، بمعنى أنه ابطأ من الصفر وهو ما يعني الرجوع للماضي. صحيح ان أينشتاين لا يعتقد بامكانية الرجوع للماضي ولا بامكانية الوصول إلى الزمن الصفري، إذ ذلك يقتضي ان تتحول كتلة الجسم إلى كتلة غير متناهية، كما ان تسريع الجسم لايصاله إلى سرعة الضوء يقتضي طاقة غير متناهية، وكل ذلك ما لا تسمح به الطبيعة، لكن من الناحية النظرية فإن النسبية تسمح بكل ذلك. وهو الأمر الذي جعل العديد من الفيزيائيين يفكرون بهذا النحو من الامكانية مع تجاهل محاذير النسبية في الكتلة والطاقة غير المتناهيين، فقد يكون هناك التفاف على المعادلات النسبية وجعلها تسمح بمثل هذه العكوسية دون الوقوع في تلك المحاذير؛ وفقاً للحيل الرياضية والخيالية المألوفة لدى الفيزيائيين.

يبقى ان المعنى السابق هو غير المعنى المتبادر في الذهن حول الزمن، وقد عارضه أصحاب نظرية الشواش (الكايوس chaos)، فهم قد اعتبروا سهم الزمن خطياً وليس عكوسياً. ومع ان التعريف الشائع له بأنه يمثل قياساً للحركة، ومنه نقيس بساعاتنا حركة الارض بالنسبة للشمس، لكن من حيث الدقة فالزمن مرتبط بما هو أعم من الحركة، وبالتحديد أنه قياس للوجود. وحيث أنه ليس للوجود بداية ولا نهاية، لذا فالزمن غير متناه، أو هو سهم يمثل امتداد هذا الوجود بلا بداية ولا نهاية، ونحن نقيس في حياتنا جزءاً بسيطاً من هذا الامتداد غير المتناهي، وهو الزمن المتعلق بالحركة.

ووفقاً لبعض الفلاسفة المسلمين ان هناك ثلاثة معان للزمن، احدها الطبيعي الفيزيائي الذي يستخدم لقياس الحركة، والثاني يعبر عنه بالسرمد وهو ما يقاس به وجود الكائنات السماوية من العقول والنفوس، اما الثالث فهو يختص بمبدأ الوجود الأول ويطلق عليه الدهر وفقاً للحديث النبوي الوارد في الصحيحين عن ابي هريرة، وبحسب بعض الفاظ صحيح مسلم جاء النص: (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر). وبالتالي فهناك زمان وسرمد ودهر. ويعتبر الأخير مصدر التعويل على البقية.

اخيراً نشير إلى ان الأفكار النظرية للفيزيائيين كثيراً ما تؤثر على النتائج التجريبية؛ كالذي اعترف به بعض الفيزيائيين، لا سيما وان التجارب عادة ما تسمح بالتأويلات المتعددة المختلفة. فلو كانت هذه النتائج محكمة في دلالتها لما آل العديد من الفيزيائيين - فيما بعد - إلى تجاوز نتائج النسبية الخاصة والتناقض معها، ونسف ما تفترضه من ثبات سرعة الضوء والحركة النسبية. فاطروحة السرعة المتغيرة للضوء قد تبنتها نظريات كثيرة دعت إلى مراجعة النسبية الخاصة وتصحيحها أو تقويضها، فبعض نماذج هذه النظريات يتعارض مع نسبية الحركة كالذي فعله ماكيويجو مع آندي آلبخت، وبعض آخر يرى ان سرعة الضوء تتغير في الزمكان كالذي لدى ماكيويجو ونظرية موفات. كما تنبأ اخرون بأن الضوء الذي يختلف تردداته أو الوانه ينتقل بسرعات مختلفة، كالنموذج الذي عمل عليه المشار اليه مع ستيفن الكسندر ولي سمولين. إضافة إلى نماذج أخرى تعول على اختلاف سرعة الضوء طبقاً لاختلاف الزمكان وطاقات التردد معاً. فهذه النظريات بعضها يصلح كنماذج كونية، وبعضها كنظريات في الثقوب السوداء، وبعضها الآخر كحلول لمسألة الثقالة الكمومية. ومن ذلك أنه عند الحركة الكمومية لم يبال الكثير من الفيزيائيين بما تقوله النسبية حول تباطؤ الزمن أو قصر الطول وتغير الكتلة وما اليها، وبعضهم اعتبر هذه الكميات مطلقة وليست نسبية عند قياس طول بلانك وزمانه وطاقته. فعند هذا القياس توصلوا إلى زمان ومكان مطلقين كالذي عمل عليه ماكيويجو ولي سمولين.

 

comments powered by Disqus